الولع بالتخطئة!!

زاد الطلبة - الولع بالتخطئة

✍️ د. معتز الخطيب

الولع بالتخطئة تعبيرٌ عن قلة العلم وضيق الأفق:

قديمًا، كانت هناك آداب للعالم وأخرى للمتعلم تفرضها أخلاقيات العلم نفسه والجماعة المنتسبة له التي يحكمها “تقليد” علمي متصل يأخذ فيه اللاحق عن السابق. ولكن الآن هناك شباب لديهم ثقافة عامة، ويجلسون – وهم ما زالوا في مرتبة المتعلم – ينصبون من أنفسهم حكامًا فيخطئون ويصوبون باستخفاف عجيب.

فرقٌ بين أن يكون لك رأي وبين أن تكون أنت الحكَم في العلوم: الفلسفة والدين والفكر والترجمة و… وأنت ما زلت طالبًا في جامعة، أو كُتبيًّا (مشتغل بالكتب)!…وسأضرب أمثلة لهذا:

1. سألت مرة أستاذي د. نور الدين عتر عن كتاب له يقول قبل سنوات (يسر الله إخراجه)، ولم يخرج!. فقال: ما زلت أتأمله ولم يطمئن قلبي بعد لإخراجه، وقد يستغرق ذلك سنين!.

2. حين قابلتُ شيخنا العلامة عبد الفتاح أبو غدة سنة 1997 في منزله بحلب، وكنت شابًّا متحمسًا وقتها، وكانت بداية تجربتي في نقد أسانيد الحديث، فخطّأته في حديث؛ لأن فيه فلانًا وفلانًا، والحديث ضعيف جدًّا أو موضوع. فقال بهدوء شديد: “إن كان كما تقول فكما تقول. أنا قلّدتُ النووي”. ولم يزد على ذلك.

3. سمعت د. أحمد معبد عبد الكريم مرةً يوضح بأدب شديد لطلابه كيف يختلف الحكم على الحديث الواحد بين العلماء، وينهاهم عن (التخطئة)؛ لأن هذا مبلغهم من العلم وقد يغيرون رأيهم لاحقًا مع مزيد من العلم.

☝️ ولذلك دأب علماؤنا الكبار في حواشيهم وشروحهم على إيراد الاحتمالات في فهم كلام الأئمة، فإن كان قصد كذا فكذا، وإن كان يعني كذا فكذا … وكأنه يشير بهذا إلى كذا .. لأن قانون العلم هو أنه إذا اتسع العلم اتسع الفهم، وتعددت الاحتمالات. فالولع بالتخطئة تعبيرٌ عن قلة العلم وضيق الأفق.

0

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *