إدلب والأحزاب وبنو قريظة ( الضفادع )

خطبة الجمعة - إدلب والأحزاب وبنو قريظة ( الضفادع )

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

إدلب والأحزاب
وبنو قريظة (الضفادع)

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 52 دقيقة.

التاريخ: 13/ذو الحجة/1439هـ
الموافق: 24/آب/2018م

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ غزوة الأحزاب، الاستخبارات العسكرية الإسلامية سباقة في نقل خبر العدو.
2️⃣ الشورى والاستعداد وحفر الخندق وحراسته والرباط خلفه.
3️⃣ لا تنفع التحصينات دون الجنود الأشداء خلفها.
4️⃣ تعاطي القائد الناجح مع الأخبار.
5️⃣ الزلزَلة وحال المؤمنين والمنافقين معها.
6️⃣ تحييدُ الأعداء.
7️⃣ العمل الأمني خلف خطوط العدو.
8️⃣ درس ما جرى في مناطق المصالحات.

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة االثانية:
9️⃣غزوة بني قريظة السرعة في الحسم مع الخونة (الضفادع).
🔟 المؤمن لا تأخذه في الله لومة لائم ولو كان في أقربائه وأوليائه.

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمَالنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه وخليلُه، أرسله ربُّه بالهدى ودينِ الحَقِّ ليُظهره على الدين كلِّه ولو كرِه المُشرِكون، فصلواتُ ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبِين الطاهِرين، وأصحابِه الغُرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربِهم واهتدى بِهُداهم إلى يوم الدين… أمَّا بعدُ إخوة الإيمان، فقد تفكرت في حالنا وما نحن عليه، تفكرت فيما يجري على ألسُن الناس ويُتبادَرُ إلى أسماعِهم، تفكَّرت في هذه الحرب النفسية التي تُشنُّ على المسلمين في هذه المناطِق المحرَّرة، ونظرت في كلام عدوِّهم وتهديداته، وفي ردَّة فعل مؤمنيهم واستعداداتهم، وفي ردَّة فعل منافقيهم وتخذيلِهم وإرجافِهم، نظرت في حالنا وبحثت في سيرة النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن موقفٍ مشابه، فما رأيت حالةً قريبة لحالتنا مماثلةً لها كحالة النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وصحبه الكِرام يوم الخندق، يوم غزوة الأحزاب، في السنة الخامِسةِ للهِجرة.

يومها، بلَّغت الاستخبارات العسكرية الإسلاميَّة رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بأنَّ قريشًا قد جمعت معها بعض قبائل العرب ( قريشٌ وغطفان وبنو سليم وغيرهم …) يريدون غزو المسلمين في عُقرِ دارِهم، في مدينتهم، في بقعتهم المحرَّرة من سيطرة الكفار والمشركين، وقد أرادوا وأد مشروعِ الدولة الإسلاميَّة بوأدِها في مهدها.

فبلَّغت الاستخبارات العسكرية الإسلاميَّة النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بذلك، وقد كان لرسول الله استخباراتٌ تترصَّدُ العدو وتراقِبُه وتتبَّع تحركاتِه لتبلِّغ النبيَّ صلواتُ ربِّي وسلامه عليه، فلم يكن شأن استخباراته -صلَّى الله عليه وسلَّم- تتبُّعَ المخالِفين والمعارضين والذي يتحدثون عن رأس السُّلطة، لا أبدًا… فشأن استخبارات القائد الصالح متابعةُ الأعداء، ليكون جيشه مُستعدًا للتصدي للعدوِّ في كلِّ لحظة.

بلغ الخبر للنبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فما كان منه إلَّا أن بدأ بمشاورة خيرة أصحابه من أهلِ النظرِ والرأي، فأشار عليه سلمان الفارسِي بحفرِ خندقٍ حول المدينة من حيثُ يُتوقَّعُ قدوم العدو، أشار عليه سلمان الفارسي بفكرةٍ لم تكُنِ العرَبُ تعهدها، إنَّما كان الروم والفُرسُ يعهدونها، فأعجَبت النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- والصحابة، وبدأ الاستعداد وبدأ حفرُ الخندق، وحفَرَ الصحابة وحفَرَ النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ، حفروا خندقا طويلًا عريضًا من جهة توقُّعِ قدومِ الأعداء، وأنهوا حفره قبل قدومهم.

تمَّ الخندَق، ووضع النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عليه المحارِس، ورتَّبَ نُقاطَ الرِّباط، وفرق القتال، وكتائب المقاومة، حتى يمنع المشركين من تخطي الخندق تحت أي ظرف.

فإذا بطليعة جيش المشركين تصِل في شوال سنةَ خمسٍ للهِجرة؛ وصلت جيوش الكفَّار، عشرة آلاف مقاتل، إلى حدود المدينة المنورة فإذا بهم يتفاجؤون بهذا الخندق، ومع ذلك لم يثن الخندقُ عزيمتهم، حاولوا اختراق الخندق، حاولوا تجاوز الخندق، قامَ بعضُ صناديدهم بقطع الخندقِ ووصلوا إلى الطرف الآخر فناوشَهمُ المسلمون، وقاتلهمُ المسلمون، ودافَعَهم المسلمون، وردوهم على أعقابهم خائبين، فما نفع التحصينات أيَّها السادة إذا لم يوجد خلف التحصيناتِ رجالٌ صابرون ثابتون مرابِطونَ مؤمنونَ لا يكلُّون ولا يَملُّون.

لو لم يُنظِّم النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- خلف الخندق نقاطَ الرباطِ بخيرة المجاهدين لما نفع الخندق وحدَه، ولاستطاع العدو تجاوزه.

بدأت المناوشات والمعارِك من على جانبي الخندق منذ اليوم الأول، يرمي المسلمون الكفار ويرمي الكفارُ المسلمين، وأحيانا تطول المناوشات، أحيانا تستمِرُّ المعارِك يومًا كامِلًا، وقد ذكَرَ الإمام أحمد في مُسندِه والشافعي، أنَّ الصحابة الكرام في غزوة الأحزاب اضروا أيّامًا لأن يجمعوا الظُهر والعصرَ والمغرِبَ والعِشاء، لم يجدوا دقيقة ً يصلون فيها الفريضة أو أن يجمعوا فيها الظهر والعصر… تخيَّلوا معي شِدَّة المعارك وقد طالت كل هذا الوقت، وفي البخاري أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- دعا على الأعداء يومًا قائلًا: “مَلأَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهَمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ“… لا مُتنفَّس بدقائق يصلي فيها المسلمون!!

تطول المعارِك، وتكثُر المناوشات، وتزيد من الأعداء المحاولات، وتشتد شراسة المقاومة من الصحابة الكرام …

يومٌ ويومان، أسبوعٌ وأسبوعان، طال الحِصارُ على المسلمين، حتى قارب الشهر والمسلمون محاصرون في المدينةِ يدفعون عدوَّهم، والعدو لا يكلُّ ولا يَمل، فإذا برجلٍ من شياطين اليهودِ وزعمائهم، حُيَيُّ بن أخطب، كان مع المشركين يومها، فإذا به وقد خطرت بباله فكرةٌ شيطانيَّة، وهو من دُهاة اليهود وزعمائهم ومِن أشدهم كفرًا وحقدًا وغلاًّ وحسدًا، تذكَّر يهود بني قريظة، وهم من يهود المدينة، يستوطنون في الجنوب الشرقيِّ من المدينة المنوَّرة، وكان بينهم وبين النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عهدٌ وميثاق…

خطَر ببال حُيَي أن يستزِلَ هؤلاء وأن يدفعهم للغدرِ بالنبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لكي يفتحوا الباب الجنوبي للمدينة أمام أعداء النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فذهب حُيَي إليهِم والتقى بزعيم بني قريظة كعبِ بن أسد، فقال له : يا كعب إني قد جئتك بعزِّ الدهر، جئتك بقريش على قادتها وسادتها، وبغطفان على قادتها وسادتها، وقد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يرجعوا حتى نستأصِل محمدًا ومن معه”.

نظر كعبٌ في الأمرِ ثمَّ قال: ” لقد جئتني والله بذُلِّ الدهر، ويحك يا حُيَي، فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقًا ووفاءً”.

فلا زال حُيَي به يجادِلُه ويُحاورُه ويُزيِّن الأمرَ له، حتى وافقه وعزَم كعب على الغدرِ بالنبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، اتفقَ شيطان بني قريظة مع شيطان بني النضير، ورضي كعبٌ وقرر التحالف مع المشركين لتنفيذ ما ذكره حيي: “لا نبرح حتى نستأصل محمدًا ومن معه”… لسان حالهم: ” ننتهي من هذه المنطقة المُحرَّرة من سيطرة المشركين، وينتهي المسلمون المجاهِدون، وينتهي مشروعهم”.

لم يقضِ التحالف بفتح الباب للمشركين لدخول المدينة فقط، بل أن يقاتِل بنو قريظة مع الكفَّار، كشأن الضفادِع مِن الخونةِ والعملاء وكثيرٍ من الفصائل العميلة في ثورتنا، لم تكتفي بتسليم المناطِق للعدو بل وضعوا يدهم بيد الكفار يطعنون المؤمنين في ظهورهم.

هكذا اتفق يهود بني قريظة مع المشركين مِن أعداء النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ولكم – أيُّها السادة- أن تتخيَّلوا عظيم الكارِثة وهول المصيبة، فيما لو تمكن عشرة آلاف مقاتِل من دخولِ المدينة وأن يكون معهم اليهود ليستحلوا دماء المسلمين وليستبيحوا بيضتهم غدرًا، هؤلاء اليهود الغادرون، قومٌ غُدُر حدَّثنا الله عنهم فقال تعالى: ((أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)) [البقرة:100].

لمَّا تمَّ الاتفاق، المخابرات الإسلامية أوصلت الخبر فور حدوثه للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- فبلغَهُ الخبرُ قبل انتشاره.

هذا شأن المؤمنين في كلِّ زمانٍ ومكان، شأنُ من يهمُّهم حماية وطنهم ومشروعهم ودولتِهم، واجِبٌ على كلِّ مسلمٍ إن خبِرَ خبرًا عن مكر الأعداء، أو إن ظنَّ أو غلبَ على ظنِّهِ عمالةُ شخصٍ ما، واجبٌ أن يُبلِّغ الجهات المختصَّة عنه فورًا، أي شخصٍ تظنُّ فيه سوءًا، تشكُّ بعمالته، تشكُّ بتشبيحه وبتأييده وبأنَّه مشروعُ طعنٍ في ظهرِ المجاهدين، واجبٌ عليك أن تبلِّغ عنه فورًا لكي يُتعامَلَ معه التعامُلَ الصحيح.

المخابراتُ الإسلاميَّة بلَّغت النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالخبرِ قبل أن ينتشِر، وبلغ الخبر للنبي، فكيف يتصرَّف القائد الحكيم في مِثل هذه الحالات، يُشيعُ الخبر بين الناس؟! يفُتُّ في عَضُدِ الناس؟! تأتيه الرسائل المجهولة التي لا يدري من أين فينشُرها ويُرجِفُ بين الناس؟! بالتأكيد لا و لا و لا.

أوَّل الأمر أراد النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن يتأكَّد من الخبر، فشكَّل لجنةً لتقصِّي الخبر من خيرة الصحابة الكرام، فيهم سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وعبد الله بن رواحة وغيرهم، وقال لهم أمرًا في غاية الأهمية قال: “انْطَلِقُوا حَتَّى تَنْظُرُوا أَحَقٌّ مَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ أَمْ لاَ؟ فَإِنْ كَانَ حَقًّا [أي إن كانوا فِعلًا غدروا بنا] فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفُهُ وَلاَ تَفُتُّوا فِي أَعْضَادِ النَّاسِ، [أي أعطوني رسالة مشفَّرة مرمَّزة أفهمها لكي لا ينتشر الخوف والذعر بين الناس] وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فَاجْهَرُوا بِهِ لِلنَّاسِ”. [لكي يطمئنَّ الناس ويثبتوا].

ذهبت المجموعة إلى بني قريظة، ولما تكلموا معهم جهر يهود بني قريظة بالسوء، وسبوا الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-وقالوا: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد.

فرجع الصحابة مسرعين إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقالوا: “عضلٌ وقارة”. أي غدرٌ كغدرِ عضل وقارة بالصحابة عند ماء الرجيع، ففهم النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن بني قريظة غدروا بالمسلمين.

هكذا أيها السادة يكون شأن الرجل الحكيم، ((ليس كلُّ ما عُرِفَ وسُمِعَ يُقال، ولا كلُّ ما يُقال حضر أهله، ولا كلُّ ما حضرَ أهله آن أوانه)) الكلمةُ التي تُعرَفُ أو تُسمع ليس بالضرورة أن تقال، وما يقال لا يُقال أمام كل الناس وفي كلِّ الأوقات.

اغتمَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ، حزن النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- حزنًا شديدًا لهذا الخبر، حتى أنَّه غطى رأسه بالثوب ومكث طويلاً مفكِّرًا في الأمر، ثم ما لبِثَ أن رفع رأسه فجأة وقال للمسلمين بصوت عال: “اللّهُ أَكْبَرُ، أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرِ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ”.

لاحظوا في هذه الحالة، وفي هذه الشدَّة، شأن القائد الناجِح، يرفع معنوياتِ جنوده، يقول: “أَبْشِرُوا بِفَتْحِ اللَّهِ”، ويأمُر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بأن لا يُشاعَ الخبر وأن لا يُذاع بين الناس، ولكنَّ اليهودَ جاهروا بذلِك، فلم يعُدِ الأمرُ سِرًا، فإذا بالخبر ينتشِر بين صفوفِ المسلمين لحِكمةٍ أرادها الله، انتشر الخبر بين صفوف المسلمين ليميزَ اللهُ الخبيثَ من الطيِّب، انتشر الخبر بين صفوف المسلمين ليزداد الذين آمنوا إيمانًا، ولكي يهرب وينسحِبَ ويتراجَع المنافقون، (وفي زماننا انتشر الخبر بين صفوف المسلمين فمنهم من أعدَّ واستعدَّ وزادَ ثباتا ومنهم من لحِق بتركيا وبمناطِقَ أخرى)، انتشر الخبر بين المسلمين لِحكمةٍ أرادها الله، وهنا زُلزِل الناس زِلزال عظيمًا: ((إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)) [الأحزاب:10، 11].

هذا الزلزال، هذا التمحيص، هذه المرحلة مرحلةٌ خطيرة لا بد منها قبل النصر يميزُ الله بها الخبيثَ من الطيِّب، ولكن إذا أتى الزلزال فاعلم أنَّ  النصر بعده قريب إن شاء الله… ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ)) [البقرة : 214]. أنبياءٌ وأولياءٌ وصحب الأنبياءِ زلزِلوا امتحانًا مِن الله تعالى، فما بالكم بمن هم دونهم!!

أتى الزلزال زلزالًا شديدًا، تمايز الناس، فبان المؤمنون، وفُضِحَ المنافِقون، ((وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا)) [الأحزاب:12].

ازداد الشك في صدورهم، وبدأ سوء الظنِّ باللهِ وبرسولِه يطفوا إلى السطح حتى قال قائلهم: “كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط”.

بدأ المنافقون بالهروب بدؤوا في التسرب من الصف، يتخيلون بأنَّهم سيهربون من الموت، ((أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)) [النساء: 78].

((وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا)) [الأحزاب:14-15].

كثيرٌ من الناس في زمنِ الرخاء، في زمن الرباطِ البارِد، يُعاهِدون اللهَ لا يولُّون الأدبار، فيأتي الزلزال ليَمِيزَ الله الخبيثَ مِنَ الطيِّب، وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا…
((قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)))

إلى أين ستفِر؟! هل هناك أرضٌ ليس فيها موت؟! هل هناك أرضٌ ليس لله عليها سُلطانٌ وحُكم؟! لا أبدًا … ولكنَّهُ شأنُ المنافقين. ((وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا)) [الأحزاب: 13]. يريدون الفرارَ أو الاستسلام بحجَّة بيوتهم!!!

الخائن أحمد العودة الذي سلَّم مساحات كبيرة في درعا وما حولها على ما كان معهم من كثير سلاحٍ وعتاد، واليوم هو ومن معه غدوا يقاتلون في صفوف المحتلين الروس… هذا أحمد العودة ماذا كانت حجَّته بخيانته لمَّا قيل له يا قليل الشرف يا قليل الناموس يا خائن؟ كان جوابه: ” أنا لست بخائن، أنا فعلت ذلك لكي لا تنام نسواننا تحت الزيتون!!” ((يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا)) [الأحزاب: 13]. سنوات ونحن في حلب نُقصف والبنايات تنزل الواحدة تلو الأخرى والناس ثابته بفضل الله، هنا في قرانا كم قُصِفنا وخرجُ أهلونا إلى الكروم وناموا تحت الزيتون؟ لأن تنام نساؤنا تحت الزيتون يومًا ويومان، وشهرًا وشهران، ريثما ينتهي القصف ونحن ثابتون مرابطون صامدون، خيرٌ لهم مِن أن يبيتوا تحت أسقُف الذلِّ والهوانِ والعار، يُعتقلُ شبابهُم وتُفضَّحُ نساؤهم.

هذا شأن المنافقين والخونة في كلِّ زمانٍ ومكان، ((يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا)) [الأحزاب: 13].

بدأ صف المسلمين، والحمد لله، يُنقَّى من الشوائب، بدأ هذا الزلزال ينخُلُ الناس، يميزُ الله به الخبيثَ من الطيب، يظهرُ المؤمنون، ويُفضَحُ المنافقون، والنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أخذ بالأسباب فأرسل فِرقةً عسكرية رابطت في المدينةِ بقربِ بني قريظة حمايةً لظهر المسلمين.

بدأ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يفكِّرُ في حل، يريد أن يتخذ موقفًا وقرارًا يحيِّدُ به بعض الأعداء، فعندما يتكالب الأعداء فعلى الحكيم أن يسعى لكي يُحيِّدَ بعضَهم، الجاهِلُ السفيه فقط هو من يستعدي عليه الجميع دفعةً واحدة، نعوذُ بالله مِن إمارة الصِّبيان، فأولئك الصِبيان إذا ولُّوا الإمارة استعدوا عليهم الناس دفعةً واحدة،

فكَّر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- باحثًا عن حل، فقد أصبح الحصار الآن من قريش وغطفان واليهود ماذا نفعل؟ يتوجب على المسلمين بدايةً فك هذا التحالف، فكيف يتم ذلك الأمر؟ ومع أي جهة نبدأ؟ مع قريش أم مع اليهود أم مع غطفان؟

أمَّا قريش فهم أصل المشكِلة، وهم من جمعوا القبائل وأتوا بها لحرب النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ، كما أنّ عِداءهم مُستَحكِم -سنين طويلة وقتلى كُثُر- وهم لم يأتوا لأجلِ المال، فهؤلاء ما مِن أملٍ مِن فتحِ حوارٍ معهم.

وأمَّا اليهود فقومٌ غُدُر، ولو عاهدوا يغدرون، فلا أمن ولا فائدة تُرجى من الاتفاق معهم، فمن بقي إذن؟!!

بقي غطفان، وهم قبيلة كانت بجوار المدينة، وليس لهم عداءٌ متأصِّل مع النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- جاؤوا طمعا بالمال وبالغنيمة وبالسلطة، فهؤلاء قد يسهُل تحييدهم بإعطائهم بعضَ ما يطمعون به، فأرسل النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى غطفان وعقد لقاءً سِرِّيًا سريعًا مع اثنين من زعماء غطفان: عيينة بن حصن، والحارث بن عوف.

حاورهم النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وجادلهم، يريد أن يكفَّ شرَّهم عن المسلمين، فاستقر الطرفان على إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة لسنة كاملة على أن تعود غطفان وتترك حصار المسلمين؛ لاحظوا أيها السادة الحكمة النبوية، والخبرة القياديَّة، يحيُّد بعض الأعداء ولو دفع لهم، ريثما ينتهي من العدو الأوَّلِ والأخطر، وبعدها يلتفت للثاني، ولكلِّ حادثٍ حديث.

قال لهم النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- نعطيكُم ثلُث ثمارِ المدينة لمدة عمٍ كامل على أن يرجعوا عن حصارِ المُسلمين، وكتبوا في ذلك صحيفةً، ولكنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- علَّق التوقيع عليها على مشاورته لأصحابه، فهذا شأن القائد الصالح، له مجلسٌ استشاريٌ من الخبراء، لا يتخِذُ قرارَهُ منفرِدًا بل يشاوِرُ من معه، فأرسل النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لزعماء الأنصار، لزعماء الأوسِ والخزرج، فاستشار النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- سعد بن معاذ وسعد بن عبادة – رضي الله عنهما- سيدا الأوس والخزرج، فهم سكان المدينة وهم أصحابُ الثمار وهم جيران غطفان وأخبر الناس بحالها، أخبرهم النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بمفاوضاته لغطفان وبأنه وصل معه لأن يكفوا حصارهم (وكان مضى عليه قرابة شهر) على أنَّ لهم ثُلُثَ ثمار المدينة لعام.

يسأل النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- الأوسَ والخزرج فهم أصحاب الثمار وهم أهل المال وهم سكان المدينة، فكونُكَ ملِكًا أو أميرًا لا يعني أبدًا بأنَّ أملاك الناسِ تحت خِدمتكَ وبأنَّك حرُّ التصرُّف، تتصرّف في أملاك الناس كما تشاء، ولهذا شاورهم النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- معلِّمًا لنا وهو الذي لو أمَرَ، لقالوا سمِعنا وأطعنا دون تردُّد.

تفكَّر الصحابة الكرام في الأمر بهدوءٍ ورويَّة، وإذا بسعد بن معاذ يقول بمنتهى الحكمة: “يا رسول الله أهو أمرٌ تُحبُّه فنصنعه، أم شيءٌ أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيء تصنعُه لنا (أي سياسةً)؟”

فقال لهم رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- : “بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ، وَاللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إِلاَّ لِأَنِّي رَأَيْتُ الْعَرَبَ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ”. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا وهؤلاء مع الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها (أي من المدينة) ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعًا أو فيضًا، أفحينما أكرمنا الله بالإسلام، وأعزَّنا بك وبه نعطيهم الدنيَّة في أموالنا ؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف وحتى يحكم الله بيننا وبينهم.

فأعجب رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بكلام سعد مع أنه خالفه، وقال له: “أَنْتَ وَذَاكَ”. فأمسك سعد بن معاذ بالصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا.

وراسل رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- زعماء غطفان، وأعلمهم برأي مجلسه الاستشاري، بأننا لن نُعطِيَكُم، باب الابتزاز متى فُتِحَ لا يُغلق، نُعطي إكرامًا بغير ابتزاز أمَّا أن يبتزَّنا العدو، فمرَّة تلو مرَّة سيطمع ويزيد، اليوم عاهدوا النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- على ثُلُثِ الثمار، وغدا قد يكون على أكثر من ذلك.

ويأتي الابتلاءُ سعدَ بن معاذ، وكأن الله أراد أن يختبر صدقه، وكأنَّ الله تعالى أراد أن يكشِف حقيقة إيمانه وثباته، وهو الذي قال للنبيّ: والله لا نعطيهم إلا السيف وحتى يحكم الله بيننا وبينهم”، فأصيبَ بسهم في كتِفه وكانت إصابته خطيرة، وكان سعد وهو مصابٌ يتطببُ في فِراشِه يدعو الله تعالى قائلًا: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدًا أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدُهُمْ فِيكِ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنَّنِي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ، فَأَبْقِنِي لَهُمْ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكِ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا”. [أي افجُر عليَّ جُرحي وارزُقني شهادةً في سبيلك].

لاحظوا أيها السادة هذا الإيمان الذي عانَقَ القلوب، فلم ينفكَّ عنها حتى تغلغل فيها واستحكم منها فلم يعد يهتزُّ، هذا سعدٌ رضي الله عنه يسأل الله الشهادة وهو سيدٌ من سادات الأوس مِنَ الأنصار، كان شابً في السابعة والثلاثين من عُمُرِه يومها، هكذا كان حال أمراء المسلمين المؤمنين، وهكذا كان ثباتهم.

وكان المسلمون في ذاك الحال على ثباتهم وصبرهم لا ينقطعون عن الدعاء والتضرُّع لله تعالى يقولون: “اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا”. وكان النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُكثِر الدعاء قائلًا: “اللُّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الْأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ”.

اللُّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ أحْزَابَ الكفرِ عنَّا، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ يا ربَّ العالمين.

استعدَّ الصحابة الكرامُ وأخذوا بالأسباب قبل المعركة، ثمَّ صبروا على حصارٍ طويل، وناوشوا ودافعوا عدوَّهم ولم يرضوا الدنيّة في دينهم، صبروا وصابروا، فكان المدد مِن الله، كان الفتحُ مِن الله، أتت جنودُ الرحمن تنصُر عباده الموحِّدين. فمن كان الجُنديُّ الأول غير المتوقَّع؟!

الجندي الأول كان نُعَيمَ بن مسعود – رضي الله عنه وأرضاه – كان مشركًا يومها، وكان من غطفان، فإذا بالإيمانِ يلامس شِغافَ قلبه وقت المعركة، فأسلَم نُعيم، فتسلَّل ووصل إلى النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مُعلِنًا إسلامه، قال: “يا رسول الله، إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني ما شئت”.

فما كان شأن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وشأن صحابته الكِرام، فرِحوا وابتهجوا ونشروا فيديو بإنشقاقِ نُعيم بن مسعود؟!! وهو رجلٌ واحد، وما فائدةُ أن يزيدَ الجيشُ واحدًا؟! كلّا والله، بل على العكس تمامًا، أمره النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن يتكتَّم على الخبر وقال له: “إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ”.

رجلٌ واحدٌ لا يزيد عدد الجيش، ولا قيمة لزيادته، ولكنَّ رجُلًا واحدًا خلف خطوط العدو ينكأ فيهم أكثر من مئات الرجال في مواجهتهم، فأرسله النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأعاده من حيثُ جاءَ مُخفيًا إسلامه ليعملَ خلفَ خطوطِ العدو، فإذا بنُعيم وكان سيِّدًا مِن سادات غطفان، حكيمًا زكيًا، يذهب إلى يهود بني قريظة، فقال لهم: قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم. قالوا: صدقت. قال: [فإنِّي لكم ناصِحٌ] إن قريشًا ليسوا مثلكم، البلد بلدكم، فيه أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم، ولا تقدرون أن تتحملوا منه إلى غيره، وإن قريشًا قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن أصابوا فرصة انتهزوها، وإلا [أي إن فشلوا] لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمدًا، فانتقم منكم.

فتأثَّر اليهود بكلامه، قالوا: وما العمل يا نُعَيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن من رجالهم. قالوا: لقد أشرت بالرأي.

ثم ذهب نُعَيمُ إلى قريش وغطفان مباشرةً، وقال لهم: تعلمون ودي لكم ونصحي لكم. قالوا: نعم. فقال: إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمدٍ وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم.

وهنا دبّ الخوف ودبَّ القلق في قلوب الكافرين، فشعرت قريشٌ وغطفان بالقلق وكذلك شعر اليهود بالقلق، فأرسلت قريش رسالة سريعة إلى اليهود: “إنا لسنا بأرض مقام، وقد هلك الكِراعُ والخُف، فانهضوا بنا حتى نناجز محمدا”. أي لنا شهرٌ في حصارنا لمحمد وكادت المؤن تنفد فقوموا لحرب محمد، وبقَدَرِ الله كان اليوم يوم سَبت، واليهود لا يفعلون شيئًا يوم السبت، (وقد سُمِّيَ سبتًا لأنَّهم يسبتون فيه) فاعتلَّت اليهود بالسبت وقالوا: “لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن”، فقالت قريش وغطفان: “صدقكم والله نُعَيم”، فبعثوا إلى اليهود، وقالوا: “إنَّا والله لا نرسل إليكم أحدً، [أي لا نُعطيكم رهائن] فانهضوا معنا نناجز محمدًا”، فقالت اليهود: “صدقكم والله نُعَيم”، فدبَّ الخِلاف بينهم، دبَّ الخِلاف بين اليهودِ والمُشركين، وأوقع الله الخلاف بينهم، وبدأوا يخوِّنون بعضهم، فإذا بالجُنديِّ الثاني من جنودِ الرحمن يأتي نُصرةً للمؤمنين، فإذا بريحٍ صرصرٍ عاتية، ريحٌ شديدة قاسية البرودة تهبُّ على معسكر الكافرين، لم تترك لهم خيمة إلا واقتلعتها، ولم تترك قِدرًا إلا قلبته، ولم تترك نارًا إلا أطفأتها، فدبَّ الرعبُ في قلوبِهم على ما بينهم وبين اليهودِ مِن خِلاف، فنادوا: الرحيل الرحل… فارتحلوا ولم يحقِّقوا شيئًا من أهدافهم، ارتدوا على أدبارهم خائبين.

نعم أيها الأحبَّة، أتى نصر الله، وأتى الفتح من الله… أكان الله عاجزًا عن أن يرسِل الريح قبل شهر؟! أكان الله عاجزًا عن ذلك؟! لا والله، ولكنَّها سُننٌ سنَّها الله في هذا الكون.

رأى من المسلمين تجهُّزًا واستعدادًا، رأى منهم استجابةً وطاعةً لأمر الله، رأى منهم الصبرَ والمصابرةَ والثبات والتضحية والإيمان، فكان حقًا على الله نصرُ المؤمنين، ((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [الروم:47]. وأتت مع الريح ملائكة الرحمن تقذِفُ الرُّعب في قلوب الكافرين، ((وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ…)) [النساء:104]. إن كُنت تشعُر بالخوف فعدوُّك أيضًا يشعر بالرعب والخوف، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)) [الأحزاب: 9]

تم نصر الله وأرسل رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حذيفة بن اليمان، تسلَّلَ إلى معسكر الكُفَّار يستطلِعُ خبر القوم، فرأى فيهم الرُعب والخوف والرحيل، فأتى يُبشِّرُ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بهذا النصرِ وهذا الفتح، ((وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)) [الأحزاب:25].

أن تُظهِر الصبرَ والتجلُّدَ والاستعداد للعدو يكفيك كثيرًا مِن همِّ القِتال، أمَّا أن تُظهِرَ الجُبنَ والخَوَر، والهزيمة النفسية، فهذا سيدفع العدو للاجتراء عليك، ولهذا أمر الله بالإعداد والاستعداد فقال تعالى: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ )) [الأنفال:60].

متى دبَّ الرعبُ والخورُ في قلوبهم لم يتجرَّؤوا على حربكم، أما إذا رأوا منكم خوفًا وخوَرًا وهزيمة، فسيتجرَّؤون عليكم، وسيُذِلُّونكم…

وقد رأينا بأعيننا وسمعنا بآذاننا ما حصل مع منم صالح الكُفَّار، كيف يُعتقلُ منهم المئات يوميًا ( في الغوطة وفي ريف حمص الشمالي ودرعا ..) تعهد الروس لهم بعدم نزع سلاحهم فتركوهم في ريف حمص الشمالي فجرَّدهم النظام من كلِّ شيء وأعمَل فيهم جنوده يعتقِلون ويُهينون، وسحب كثيرًا من شباب المصالحات ليرمي بهم على جبهات الدواعش وليقتل العشرات والمئات منهم يوميًا… ولو ماتوا بشرف وكرامةٍ وعز وهم يدفعون عن أرضهم وعرضهم أما كان ذلِك خيرًا لهم وأرضى في الدنيا والآخِرة؟!!

هذا الذي تعرفون كان عاقبة من باعوا دينهم فهانت عليهم أرضهم وهانت أعراضهم، هذا ما جرى مع من دبَّ الخور في نفوسهم فلم يصبِروا، ولو أنَّهم صابروا وصبروا لكان حقًا على الله أن ينصُرهم، وكان حقًا علينا نصرُ المؤمنين، ((ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ)) [يونس:103].

اللهم نجِّنا بعظيم قُدرتِك من القوم الكافرين، اللهم آمن روعاتِنا واستر عوراتِنا وانصرنا اللهم على عدوّك عدوِّنا… أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفِرين.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله، خيرُ الوصايا وصيّةُ ربِّ البرايا: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن… أمّا بعدُ إخوة الإيمان:

فإن كانت قصة الأحزاب قد انتهت فقصة (الضفادع) بني قريظة لم تنته بعد، انتهت قصَّة الأحزاب وقد ارتدوا على أدبارهم خائبين، قلع الله خيامهم، وقلَبَ قدورَهم، وفروا منهزمين لا يلوون على شيءٍ.

بعد شهرٍ من التعب، بعد شهرٍ من الحصار، بعد شهرٍ من التعب، لم يدخل النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- طيلة الشهر بيته، رجع النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وصحابته الكرام فرحين بالنصر، عادوا لكي يرتاحوا قليلا بعد حربٍ دامت شهرًا كاملًا لا ساعة للراحة فيه… ولم يكَد النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يضع عنه ثيابه ويغتسل وإذا بجبريل –عليه السلام- يأتي إليه، ويقول له: وضَعتَ السلاح؟! [أتظنُّ أن العدو هو فقط الذي على الجبهات أمامك؟!]، يقول: يا محمد وضَعتَ السلاح؟! فإنَّا لم نضعِ السلاح. من يقصِد بـ (إنَّا)؟؟ جبريل والملائكة.

قال جبريل: اخْرُجْ إِلَيْهِمْ. فقال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- : “فَأَيْنَ؟” فأشار جبريل إلى بني قريظة.
وفي رواية أن جبريل قال: “فَإِنِّي سَائِرٌ أَمَامَكَ أُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، وَأَقْذِفُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ”. فأمر النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- صحابته الكرام بالتحرُّك فورًا إلى بني قريظة.

تخيلوا يا إخواني، شهرٌ كامل من المعارك والإرهاق والخوف والرعب، وبلغت القلوب الحناجر، لم يكد بعدها الصحابة يرتاحون سويعاتٍ قليلة، فإذا بالنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يأمرهم بالتحرُّك إلى بني قريظة!!

نحن لنا سنوات، والعملاء والضفادع والخونة والعملاء والطابور الخامس للعدو بين ظهرانينا، ولم نتفرَّغ لهم قليلا على ما كان عندنا من أوقات سكونٍ وراحة!!!

جبريل قال: فإني سائرٌ أمامك إلى بني قريظة، والنبي نادى في صحبه مشجعًا على الإسراع في المسير: لا يُصَلِّينَّ أحد العصرَ إِلا في بني قُريظة” [البخاري ومسلم]، فتحرَّك الصحبُ الكرام وحاصروا حصون بني قريظة.

تحصَّن بنو قريظة في حصونهم، والصحابة الكرام مرهقون من معركة شهرٍ كامل، وتمضي الأيام، أول يوم، ثاني يوم، أول أسبوع، ثاني أسبوع، بقي الصحابة الكرام خمسًا وعشرين يومًا جديدة -بعد شهر معارك قبلها عند الخندق- محاصِرينَ لبني قُريظة، وفي نهاية ذلك الحصار قذف الله الرعب في قلوب بني قريظة، فاستسلموا وخضعوا لحكم رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مع أنهم كان بإمكانهم المطاولة في الحصار أكثر، ولكنَّ الخَوَر دبَّ في نفوسهم، وظنوا أنَّ تحالفهم مع الأوس في الجاهلية ينفعهم.

إخواني، الأنصار في المدينة قبيلتان، الأوس والخزرج، كانوا زمن الجاهلية، قبل الإسلام، في قتال وصراع دائم، وحينها كان بنو قريظة حلفاء الأوس ومواليهم.

وهنا أتى الأوس يستشفعون لمواليهم، يستشفعون لبني قريظة، عن تواصلهم مع العدو، وعن محاولتهم الغدر والخيانة، ولعلَّ حجَّتهم في ذلك أنَّهم قد عزَموا ولكن لم يفعلوا ولم يباشروا، ولم يتطور الأمر معهم أكثر!!

فما كان قول النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ؟ أراد أن يُنفِذَ فيهم حُكم الله، وأن يجبر خواطِر هؤلاء الصحابة من الأوس، فقال لهم النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- : “‏أَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ‏؟”، ‏ قالوا‏: بلى.‏ قال‏: “فَذَاكَ إلى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ”.

إيتوني بسعد بن معاذ، الذي أصيب بسهمٍ خطيرٍ في كتفه، وكان في المشفى يستطبُّ، فأُتِي به محمولًا على دابّة، فلمَّا وصل قال لهم النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- : “قوموا إلى سيِّدكم” فقاموا إليه أنزلوه وحملوه، وكان مصابًا جريحًا، فلما أنزلوه قالوا‏:‏ يا سعد، إن هؤلاء (بنو قريظة) قد نزلوا على حكمك. قال‏:‏ وحكمي نافذ عليهم‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم.
قال‏:‏ وعلى المسلمين‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم. قال‏:‏ وعلى من هاهنا‏؟‏ وأعرض بوجهه وأشار إلى ناحية رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إجلالاً له وتعظيمًا‏، (استحى أن يقول له وحكمي نافذٌ عليك يا رسول الله فقال: وعلى من هاهنا‏؟‏ وأشار إلى جهة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ) فقال له النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ‏:‏ “نَعَمْ، وَعَلَيَّ”. قال‏:‏ فإني أحكم فيهم ((أن يُقتَل الرجال، وتسبى الذرية، وتقسم الأموال)). فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ‏:‏ ‏”لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ”.

الطابور الخامس الذي بيننا، سبع سنوات، والبعض يتركهم ويتشفَّع لهم، هذا ابن عشيرتنا، وهذا من قرابتنا، وهذا من ضيعتنا، وهذا ابن عمنا… تأخذنا في الله لومة لائم، سعد بن معاذ – رضي الله عنه- لما أُتِيَ به ليحكم في بني قريظة، قال له أقرباؤه: يا سعد، أجمل في مواليك، فأحسن فيهم؛ فلما أكثروا عليه قال‏: “لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم”.

الجهاد لا يُقام سنامه مع خوف لوم اللائمين، أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه وأرضاه- قتَل أباه يوم غزوة بدرٍ، يوم كان أبوه في صفوفٍ المشركين.

حكم سعدٌ في بني قريظة، ولم تأخذه في الله لومة لائم، حكم بحُكم الله من فوق سبع سماوات، أن يُقتَل الرجال، وتسبى الذرية، وتقسم الأموال، فنَفَذَ حُكم معاذ، وجمع رجال بني قريظة، وقتلوا جميعًا، قيل كانوا أربعمئة، وقيل سبعمئة، ولكن كان من بين اليهود أناس رفضوا أن يغدروا بالنبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ووقفوا بين اليهود علنا يوم غدروا فقالوا لهم: إنّا بُرآءُ من غدركم لا نقاتل معكم محمَّدًا، فأولئك أطلقهم النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ، لم يقتل إلى من غدر به، وهنا انفجر جُرحُ سعد بن معاذ واستُشهِد رضي اللهُ عنه وأرضاه وفي الصحيحين عن جابر أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال‏: ‏”اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ”. لِما بلغه من الإيمان وهو الذي لم يرض الدنيَّة في دينه يوم المفاوضات مع غطفان، وهو الذي لم تأخذه في مواليه من بني قريظة في اللهِ لومة لائم، اهتزَّ عرش الرحمن لموته، وخُتِمَت غزوة الأحزاب، وغزوة بني قريظة و قال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- : “الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ”. وهذا ما كان، لم يُغزَ المسلمون في ديارهم بعدها، بل كانوا هم يغزون أعداءهم، أعزَّ اللهُ نصرهم، وتوسَّعت مدينتُهم، وانتصر مشروعهم، فتحوا البلاد، وفتحوا قلوب العباد، ودخلَ الناس في دينِ الله أفواجا، وتوسَّعت دولتُ الإسلام وبلَغَت ما بلَغت.

هذا الذي حكيناه أيُّها السادة ليست قِصَّةً حكيناها للتسلية، إنَّما هي دروسٌ وعِبر من السياسة النبويَّة الشرعية، لكي نستنَّ بها، ولنعلَمَ كيف يكون شأن المسلمين وحالهم وموقفهم في مثل هذه الأوضاع، وفي مِثل هذه الظروف.

اللهمَّ آمِن روعاتِنا واستُر عوراتِنا، اللهمَّ مُجري السحاب مُنزِلَ الكتاب هازِمَ الأحزاب، اللهمَّ اهزم أحزاب الكفر وانصُرنا عليهم… إني داعٍ فأمِّنوا.

0

تقييم المستخدمون: 4.68 ( 2 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *