مشكلة ضرب الزوجات

مجاهد مأمون ديرانية

كتب إليّ أبٌ مكلوم يقول إنه زوّج ابنته شاباً غَرَّه منه ما عُرف عنه من تديّن وصلاة وصيام، فلم يلبث إلا قليلاً حتى اكتشف أن الرجل قد جمع في قلبه من القسوة ما تكاد تعجز عن حمله قلوبُ عشرة من قُساة الرجال، فهو لا يكتفي باحتقار البنت والاستهانة بها والحطّ من كرامتها، بل يعتدي عليها أيضاً بالضرب الشديد في اليوم بعد اليوم، فلا تأتي لزيارة أهلها إلا بكدمات وجراحات، حتى بلغ منه أن كسر لها عظماً في الذراع، وكلما ذكّره بالله واستحلفه بالله أن يكفّ زاد. ثم أقرأه مقالتي الأخيرة (يا أيها الظالمون) فلم تصنع شيئاً لأنه لم يرَ فيها نفسَه، لأن الشرع سمح للرجل بأن يضرب امرأته كما يقول! ثم يسألني عن رأيي ورأي الشرع في مثل هذا الرجل وفي مثل هذه الأفعال؟

تسأل عن رأي الشرع يا أخا الإسلام؟ إنما حَكَم الشرع بين الناس، لم يحكم بين الوحوش! وتذكّره بالله فلا يتذكر ولا يكف؟ ومن أين يتذكر والذكرى لا تصلح إلا لمن تنطوي جوانحُه على قلب، لأن الخطاب الربّاني لا يفقهه إلا أصحاب القلوب: {إنّ في ذلك لَذكرى لمن كان له قلب}؟ فماذا نصنع بمن حرمه الله من القلب الرحيم؟

يحصل أحياناً أن يفرّ وحش من الوحوش من حديقة الحيوانات، ثم يتزيّا بزي بني آدم ويندسّ وسطهم حتى يحسبوه منهم، وما هو منهم، ويغرّهم فيخطب إليهم فيزوجه بعضُهم ابنتَه، فلا يمرّ غير وقت قصير حتى تكتشف البنت ويكتشف أهلها أنهم إنما زوّجوا وحشاً من الوحوش أو سبعاً من السباع لا رجلاً من الإنس! بل إنا لنظلم الوحوش والسباع إذا نحن نسبنا إليهم بعض هؤلاء “الناس”، فما في الوحوش مَن يتلذذ بتعذيب أبناء جنسه ولا فيها من مات قلبه حتى لا ينبض نبضة رحمة.

فدعوا عنكم وصف أمثال هؤلاء المجرمين بالوحوش وابحثوا عن اسم آخر أصلح لوصفهم. أما مكانهم الذي يليق بهم فليس بيوت البشر بل الإصلاحيات والسجون، فما الفرق بين مجرم يعتدي على ابنتك بالضرب والرفس ويكسر رجلها أو يدها، ما الفرق بين مجرم كهذا يحمل في يده وثيقةَ زواج ومجرم لا يحملها؟ أحلّلَ للأول هذا العقدُ أن يعتدي عليها ويبطش بها وحرّم على الثاني أن يفعل بها ذلك أنه ليس في يده عقد؟

وهل هو عقد زواج، والزواجُ رحمةٌ وسكينة، أم عقد استرقاق وتعذيب؟ ولا والله لا يرضى الإسلام للمسترِقّ أن يصنع ذلك بالعبيد والإماء، فمن أين زعم هؤلاء المعتوهون أن الدين سمح لهم صنعَه بالحرائر الكريمات من بنات المسلمين؟

0

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *