أحكام الزواج من مجهول الاسم والنسب

نقلا عن المجلس الإسلامي السوري
السؤال:
يتقدم أحيانا لخطبة المرأة شخص يخفي اسمه ونسبه، فلا نعرف من هو، ولا من أي البلاد هو، ولا نعرف عنه إلا أنه أبو فلان، أبو يسمى بغير اسمه الحقيقي، وذلك لأجل الضرورات الأمنية كما يقول، فما حكم تزويجه؟ وهل يعتبر العقد باطلا لأننا لا نعرف اسمه؟ وإذا أنجب أبناء فكيف يكون التعامل معهم؟

الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإن الزواج أمره خطير، وشأنه عظيم، تترتب عليه حقوق وواجبات، وأحكام ونتائج، ومصاهرة ونسب، لذا يجب أن يكون مبنيا على العلم والوضوح، ومعرفة الزوجين وتعيينهما، والجهالة بأحد الزوجين في العقد محرم، ومآله خطير، وتوضيح ذلك فيما يلي:

أولا: عقد النكاح في الإسلام ميثاق غليظ كما قال تعالى: (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) النساء: 21، وله مكانة عظيمة لما يترتب عليه من حقوق وواجبات، ومن أعظمها ما يبنى عليه من العشرة والنسب والمحرمية وحق المهر والميراث، لذا عنيت الشريعة بحقوق الزوجين وأولادهما والمجتمع، وجعلت من مقاصدها الكبرى حفظ الضروريات ومنها النسب والعرض والمال، وهي من ضروريات متعلقة بعقد النكاح، وإن الإخلال بهذه الكليات أو بعضها يعد تفريطا بأصول الشريعة ومقاصده، وبأمن المجتمع واستقراره، ويتسبب في خراب الديار وضياع الأنساب وهدر الأعراض.
وقد شدد الفقهاء في تعيين الزوجين عند العقد، فقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى: (تعيين الزوج شرط فلا بد أن يثبت عند العاقد أي عند القاضي).
وقال ابن قدامة في المغني: (من شرط صحة النكاح تعيين الزوجين، لأن كل عاقد ومعقود عليه يجب تعيينهما)، والمراد بتعيينهما : تعريفهما بما يميزهما عن غيرهما، ويرفع الجهالة عنها، ويكون التعيين بمعرفة النفس أي بذات الشخص وعينه، ويكون بالاسم أو الصفة التي لا يشاركه فيها أحد، وكمال التعيين هي بمعرفة جميع ما سبق، ومن فوائد التعيين حفظ حقوق الزوجين والأبناء من النسب والمهر والميراث والمحرمية، وإمكان أداء شهادة الشهود، أما إذا لم يحصل تعيين الزوجين بأي نوع من أنواع التعيين السابقة فإن ذلك جهالة قد تكون سببا في بطلان العقد.

ثانيا: تعيين الزوج بشخصيه ووصفه دون معرفة حقيقة اسمه ونسبه لا يبطل الزواج شرعا: لأنه قد حصل تعيينه بعينه ووصفه، لكن تترتب عليه عدم معرفة اسمه أضرار كبيرة ومفاسد عظيمة، منها ما يتعلق بالجناية على الزوجة، ومنها ما يتعلق بالجناية على الأولاد، ومنها ما يتعلق بالجناية على المجتمع والأمة.

فمن المفاسد المتعلقة بالزوجة:
– تضييع حق المرأة في معرفة زوجها وشريكها.
– تضييع حقوق المرأة من الميراث والنفقة عند ذهاب الزوج المجهول، وعدم إمكان الوصول إليه.
– تعريض المرأة للفتنة عند غياب الزوج، وبقائها معلقة في عصمته.
– عدم معرفة المحارم كوالد الزوج وأولاده.

ومن المفاسد المتعلقة بالولد:
أنه لا يعلم نسبه ولا عائلته وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر» أخرجه أحمد والترمذي وصحح الحاكم إسناده، ووافقه الذهبي.
فهذا حق للولد ولنسله جاءت الشريعة بحفظه وصيانته، فلا يجوز لولي المرأة ولا للزوجين حرمانه منه، كما أن صيانة الأنساب وحظها تساعد في تحقيق الذات واعتبارها، والنسب الثابت المعروف يشعر صاحبه بكرامته وعزته ووجوده الشرعي، وحق انتمائه الأسري والاجتماعي، ولهذا يشعر مجهول النسب برفض اجتماعي واكتئاب نفسي مما يؤثر على شخصيته وتوازنها.
كما يؤدي هذا الزواج إلى تضييع انتساب الولد لبلده وعدم القدرة على الحصول على أوراقها الثبوتية وبما في ذلك من مصاعب ومخاطر لا تخفى.

ومن المفاسد المتعلقة بالمجتمع والأمة: أن كثيرا من الأبناء سيولدون في غياب آبائهم والجهل بحالهم، فلا يجدون من يهتم بهم ويربيهم وينشأ جيل من الأطفال الضائعين الذين يشكلون عبئا على المجتمع ويكونون بيئة خصبة للانحراف والجريمة وفي هذا جناية على الشعب جميعه.

وبناء على ذلك فلا يجوز للولي ولا للمرأة الموافقة على الزواج ممن يخفي اسمه ونسبه لما يتبع ذلك من أضرار ومفاسد شرعية واجتماعية ولمخالفته مقاصد الشريعة في الحفاظ على الأعراض والنسب واستقرار المجتمع وأمنه ولما هو متقرر في الفقه من الاحتياط للأعراض والأنساب، ومن أهم الاحتياط التحرز من المفاسد المتحققة في العاقبة أو التي يغلب على الظن حصولها، فقد جاءت الشريعة باعتبار المآلات، ونتائج التصرفات، فلا بد من النظر في العواقب قبل عقد النكاح وأخذ الحيطة في ذلك.
وإذا جمع مجهول الاسم إلى ذلك انتسابا إلى جماعات الغلو فإن هذا يزيد من المفاسد والآثار المترتبة على إجراء هذا العقد، فيكون أولى بالتحريم الومنع، لا سيما أن مجاهيل الغلاة – وخاصة إن كانوا من غير البلد – مشكوك في حقيقة أمرهم ودينهم وأخلاقهم وقد يكونون العملاء المدسوسين أو من غير المسلمين.
وإذا كان هذا النكاح محرما فإنه يشترك في الإثم المترتب عليه كل من شارك في هذا النكاح لتسببه في ضياع الحقوق وحصول المفاسد المترتبة على هذا العقد فيأثم الولي الذي فرط في الأمانة التي تحملها بولايته على المرأة ويأثم الشاهدان اللذين حصل توثيق العقد بشهادتهما ويأثم العاقد أو القاضي الذي يتثبت من الطرفين بوثائق الثبوت المتعارف عليها كالهوية الشخصية أو جواز السفر، وكذا يأثم كل من وافق عليه أو قدر على الانكار ولم يفعل.
فإذا تم الزواج بعد توفر أركانه وشروطه فهو زواج صحيح مع الإثم ومن حق الزوجة المطالبة بإظهار النسب ولو عن طريق المحاكم أو المطالبة بالفسخ، ومن حق ولي الأمر أو من ينوب عنه في القضاء إلزام الزوج بذلك.

ثالثا: الطفل الذي يولد من هذا النكاح ولد شرعي من زوجين شرعين فأمه معروفة باسمها ونسبها وذاتها وأبوه معروف بعينه وصفته، ولا يضيره الجهل باسم أبيه ونسبه، فإنه وقع ضحية لخطأ من شارك في هذا الزواج.
وينسب هذا الوالد لأبيه باسمه الذي اشتهر فيه بين الناس، لأن هذا الاسم قام مقام اسمه، فيه يعرف، وبه يدعى، ويضا لذلك نسبة بلد الأب على أنها الشهرة، جريا على ما تعارف عليه الناس من الانتساب إلى الحرف أو البلدان، ولا بد من توثيق نسبه من جهة أمه مع الاهتمام بالبحث والتحري عن الاسم الحقيقيلوالده ونسبه مهما طال الزمن.

وأخيرا: فإننا نتوجه للآباء والبنات وندعوهم للتثبت من المتقدمين للزواج وان لا تحملهم العاطفة على التعجل، فإن إخفاء الاسم والهوية لا تدرى أبعاده ولا تعلم حقيقته وعلى الجميع أن يتقوا الله في أعراض المسلمين وأنسابهم وحقوقهم. والله تعالى أعلم

وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء
– الشيخ أحمد حمادين الأحمد
– الشيخ أسامة الرافعي
– الشيخ أحمد حوى
– الشيخ تاج الدين تجي
– الشيخ زكريا مسعود
– الشيخ عبد العليم عبد الله
– الشيخ نايف الشحود
– الشيخ عماد الدين خيتي
– الشيخ عمار العيسى
– الشيخ فايز الصلاح
– الشيخ مجد مكي
– الشيح محمد جميل مصطفى
– الشيخ محمد فايز عوض
– الشخ محمد معاذ الخن
– الشيخ ممدوح جنيد
– الشيخ موفق عمران

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 2 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *