واعظ الصيف

خطبة الجمعة 133

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

واعظ الصيف

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 23 دقيقة.

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:

1⃣ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.
2⃣ موقِف القيامة، ومشهد النار.
3⃣ العاقل يتعظ بما يرى.
4⃣ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ.

🔴 الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية:
5⃣ حال النار وبعض سبل النجاة منها.
6⃣ بعض من يُظلُّهم الله في ظِلِّه.
7⃣ أدعيةٌ لا بدَّ منها في هذا الحر.
8⃣ اذكر الله وإياك والتسخُّط على قدَرِه.

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

 

ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستهديهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فهو المهتدي ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشِدًا، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ نبيّنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وصفيِّه وخليله، أَرْسَلَهُ ربُّه بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغرِّ المُحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أمَّا بعد إخوة الإيمان، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )) (البقرة:281)
إخوة الإيمان والعقيدة: أيَّامُ حرٍّ لافح، وصيفٍ قائظ، تزداد فيها الشمسُ سطوعاً، لترسل نورها ولتنشرَ سياط لهيبها على الأرض والأبدان…

أيام حرٍّ وقيظٍ شديد لا تسأل عن حال الناس في هذه الأيام؛ وهم يطلبون الظلَّ الظليل، والهواء العليل، والماء البارد السلسبيل، ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )) (ق:37)

آياتٌ بيِّنات من ربِّ البريَّات لابدَّ لنا فيها من وقَفَات وخَطَرات، لابدَّ لنا مع هذا الحرِّ والقيظِ من تذكُّرِ عِبَرٍ وعِظات …

هذا القيظُ – أيُّها الأحبَّة – هذا الحر الذي يأتينا في الصيف، يأتينا بعد الربيعٍ يأتي بعد شتاء وخريفٍ… يقلِّب الله الزمان ويغيِّرُ الله الأحوال ((يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)) (النور:44)

آياتٌ بيِّنات من ربِّ الأرضين والسماوات، يذكِّر الله فيها عباده بقدرته، يذكِّرُنا بعظيم جبروته وسطوَته، لا إله إلا الله العزيز الجبَّارُ، لا إله إلا الله العظيم القهَّار… من لم يتِّعظ – إخوة الإيمان – بما يُعاين ويرى في هذه الأيام فبمَ يتَّعظ؟!!

تخيلوا معي أيها السادة رجُلا يقف في هذا الحر، تحت لهيب الشمس، عاري البدن، حافي القدمين، تلفحه الشمس بأشعتها الحارقة !! … كيف تنظرون إليه وقد وقف عاريًا حافيًا تحت لهيب شمسٍ مُحرِقة بضع ساعات؟ كم تشفقون عليه؟ كم يتألَّم وكم يُعاني؟!

أيُّها الأحبَّة هذا الذي أشفقنا منه على ذاك الرجل هو موقف ساعاتٍ تحت شمسِ الدنيا فما بالنا بموقف الآخِرة، ما بالنا بموقفٍ ((فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)) (المعارِج:4) ما بالنا بموقفٍ يقول عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ )) قَالَ سُلَيْم بنُ عامِر الراوي عن المقداد : فَوَاللهِ مَا أدْرِي مَا يعني بالمِيلِ ، أمَسَافَةَ الأرضِ أَمِ المِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ العَيْنُ ؟ قَالَ : (( فَيكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أعْمَالِهِمْ في العَرَقِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ ، ومنهم من يكون إِلَى ركبتيه ، ومنهم مَنْ يَكُونُ إِلَى حِقْوَيْهِ [أي إلى معقد إزاره] ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجَاماً )). وَأَشَارَ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم – بيدهِ إِلَى فِيهِ. [ والحديث رواه مسلم].

ما بالكم – أيها الأحبَّة – بنارٍ ويومٍ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها : (( يُؤتَى بِجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألفَ زِمَامٍ ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا )) [رواه مسلم].

تخيَّلوا معي عظمة تلك النَّار ولها سبعون زمام، على كلِّ زمام سبعون ألف ملكٍ يجرُّونها… تخيَّل معي شدَّة الموقف … وتفكَّر في النجاة فيه

تَفِرُّ من الهجيرِ وتتقيه *** فهلاَّ عن جهنم قد فررتَ؟
ولست تطيق أهونها عذاباً *** ولو كنتَ الحديد بها لذُبتَ
فلا تكذبْ فإن الأمر جِدُّ *** وليس كما احتسبتَ ولا ظننتَ

يا من زيَّنك الله بالعقل، وأكرمك الله بالإسلام، تذكَّر في هذا الحرّ ضعفك أمام عظمة الله، تذكَّر عجزك أمام قدرة الله، تذكَّر موقفك أمام العظيم الجبَّارِ سبحانه، يا من تكبَّرت وتجبَّرت، يا من عصيت وتمرَّدت، يا من استحللت ما حرَّم الله أو تجرّأت عليه بتأويل عُبّادِ هواهم، ألم يُذكِّرك الحرُّ الشديد بذاك الموقف، ((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37))) [عبس]. في ذاك الموقف لن يُغنيَ عنك ولدُكَ ولا والدك ولا أهلك ولا زوجتك، في ذاك الموقف لن تُغني عنك جماعتك ولا فصيلك ولا أميرك، ولا قائدك الذي جرَّأك على ما حرَّم الله … ((وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ)) (غافر:47)

[ ماذا يكون الجواب وكيف يكون الرد مِن أولئك؟! تُتبِعُ الآياتُ الكريمة …]

((قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ)) (غافر:48)

لن يُغني عنك زعيمُك ولا قائدك، لن يُغني عنك أحدهم من الله شيئًا…

فمن ذا الذي يتعظُ بما يرى، من ذا الذي يتعظُ بما يُعاين، من ذا الذي يفرُّ إلى الله مِن عذابِ الله، ((فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)) (الذاريات:50).

إني لكم منه نذيرٌ من عذاب نارٍ قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- – كما جَاءَ في الصحيحَين من حديث أبي هريرة -: ” اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا؛ فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ”

هذا وصفُ نار الجحيم أيُّها الأحبَّة، وكلُّ، بل أشدُّ ما نجد من الحرِّ هو نفَسٌ من أنفاسها، وأشدُّ ما يجده أهلُ الأرضِ من بردٍ وزمهرير هو نفَسٌ مِن أنفاسها!!

فمن ذا الذي يتَّقي عذاب الله؟! من ذا الذي يتَّقي غضب الله؟! من ذا الذي يستشعر ضعفه؟ من ذا الذي يسمع كلامِ الله فيتعظ ويعتبر، فيتقي المحرَّمات والشبهات، ويلتزم الطاعات والقربات، ويتواضع للمؤمنين، ويخفِضُ جناحه للمُسلمين، ولا يتكبَّر مُستشعِرًا عظمَةَ ربِّ الأوَّلين والآخِرين!!

رحِم الله عمر بن عبد العزيز نظرَ إلى أناس في جنازة، وقد تلثموا من الغبار الشمس، وانحازوا إلى الظل، فبكى – رحِمه الله – قائلًا: ”

مَنْ كَانَ حِينَ تُصِيبُ الشَّمْسُ جَبْهَتَهُ *** أَوْ الْغُبَارُ يَخَافُ الشَّيْنَ وَالشَّعِثَا
وَيَأْلَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقَى بَشَاشَتُهُ *** فَسَوْفَ يَسْكُنُ يَوْمًا رَاغِمًا جَدَثَا
فِي قَعْرِ مُوحِشَةٍ غَبْرَاءَ مُقْفِرَةٍ *** يُطِيلُ تَحْتَ الثَّرَى فِي جَوْفِهَا اللَّبَثَا
تجهزي بجهاز تبلغين به *** يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا

جعلني الله وإياكم ممَّن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه … أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله خير الوصايا وصيّةُ ربِّ البَرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]. فاتقوا الله عبادَ الله، فبتقوى الله العِصمة من الفِتن، والسلامةُ مِنَ المِحَن… ومازال حديثنا عن موعِظة الحرِّ والصيف وأعظِم بها واعِظًا مُذكِّرًا، وإن كان هذا حالها وأشد ما فيها نفسٌ واحدٌ من أنفاس جهنَّم، فكيف بجهنَّم نفسَها؟!!

كيف بجهنَّم التي تغيظ وتفور، وقد ذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم – النَّار يوماً، فقال لأصحابه: “أترونها حمراءَ كناركم هذه؟ لَهِيَ أسوَدُ من القَارِ!” [القارُ هو الزفت، والحديث رواه مالك بسند صحيح]. وفي الترمذي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – : قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : «أُوقِدَ على النار ألف سنة حتى احمَرَّتْ، ثم أُوقِدَ عليها ألف سنة حتى ابْيَضَّتْ، ثم أُوقِدَ عليها ألفُ سنة حتى اسودَّت، فهي سوداءُ مظلمة».

((إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11))) [المُلك]

سُحقًا وهلاكًا؛ لمن أتاهم النذيرُ فلم يتذكَّروا، لمن أتاهم الواعِظ فوعظَهم فلم يتَّعِظوا، سُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ، سُحقًا لمن لم يُفكِّر بسبُل النجاة في ذاك اليوم العصيب…

كيف النجاة – أيُّها السادة – ؟!
كيف النجاة من تلك النار؟ وكيف تكون السلامة في مشهد القيامة؟ من أين تجدُ الظلِّ في ذاك اليوم وقد عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا.

في البحث عن هذا الظلِّ – أيها الأحبَّة – يُرشدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: (( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ : إمَامٌ عَادِلٌ ، وَشَابٌ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابّا في الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إنِّي أَخَافُ الله، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُه مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِياً ففاضت عَيْنَاهُ )) [والحديث متفقٌ عَلَيْهِ].

فهؤلاء السبعة هم ممن يُظلّهم الله في ظلِّه يوم لاظلَّ إلَّا ظلُّه، سبعة أعمالٍ تُظِلُّ صاحبها في ذاك اليوم العصيب … وإنّا إذا تذكرنا حرَّ يوم النشور أيها السادة، فلا ننسى فضل الصدقة، وظلها الوارف لأصحابها في ذلك اليوم العظيم وفي ذلك المشهد الرهيب، فقد روى الإمام أحمد وابن حِبَّان والحاكم، عن عُقبَة بن عامر – رضي الله عنه – أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “كل امرئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حتى يُفصَل بين الناس”، أو قال: “حتى يحكم بين الناس”.

وإذا كان هذا فضل الصدقة عمومًا، فما بالنا بفضل الصدقة في هذا الحرِّ وألوفٌ مؤلَّفةٌ من أبناء بلدنا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء … يلتحفون خيمةً رقيقةً لا تقي حرَّ الصيف ولا برد الشتاء !! ونحن قد أنعم الله علينا بسُكنى العمران والدور، فلا أقلَّ من أن نتذكَّر وأن نتعظ ونعتبر ونتصدَّق لنقدِّم لأنفُسنا، ولنبق مِن الله على وجلٍ، فإخواننا كانوا أهل دورٍ وقرى فأصبحوا اليوم مِن سكان الخيام يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ولا ندري ما تخبِّئه لنا الأيام … ولهذا كان من شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُكثِر من الدعاء قائلًا : ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ، وتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وفُجَاءةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَميعِ سَخَطِكَ)). [والحديث رواه مسلم].

يا من أنعم الله عليك إن لم تجد ما تتصدَّق به على إخوانِك فلا أقلَّ من أن ترحم الناس في هذه الأيام، لا أقلَّ من أن لا تبتزَّ إخوانك …

فكثيرٌ من الناس بدل أن يتَّعِظ ويعتبر، وأن يتذكَّر حرَّ الموقف العصيب يوم القيامة وحرَّ جهنَّم، تراه على العكس يبتزُّ الناس باحتياجاتهم في هذه الأيامِ الحارَّة، يبتزُّهم بسعر الماء، يبتزُّهم بسعر قالِب الثلج، يبزُّهم بآجار البيت …

يبتزُّ الناس في هذه الأيامِ العصيبة الشديدة بدل أن يكون عونًا لإخوانه، بدل أن يتصدَّق عسى أن يُظِلَّه الله في ظلِّ صدقته يوم القيامة… وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني.

أختم لقاءنا اليوم – أيها الأحبة – والحديث ما زال عن الحرِّ والنار والموقفِ العصيب، بأمرٍ تُذكِّرنا به حرارة هذه الأيام، ألا وهو دعاءٌ علمنا إياه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ قال – والحديث في النَّسائي والترمذي –
“من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة،.. [اللهم إنا نسألك الجنَّة، اللهم إنا نسألك الجنَّة، اللهم إنا نسألك الجنَّة … يُتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- …] ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أجره من النار”

اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار …

أدبٌ مع الله تعالى يؤدِّبنا به النبي -صلى الله عليه وسلم-، بدل أن تُكثِر السباب والشتم واللعن، وتتعذَّرُ بأنَّك تتضايق من الحر، وتتسخط على قدر الله!!

كثير من الناس، تراه في هذا الحر وقد ساء خُلقه في بيته وعمله وبيعه وشرائه، يُكثر من الألفاظ البذيئة والكلماتِ النابية، ولهذا يؤدبنا النبي بهذه الأحاديث ليكون هذا الحرُّ الذي يمرُّ بنا وازعًا مذكِّرًا لنستجير بالله من حرِّ النار… اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، تلك النار التي قال عنها ربُّنا – جلَّ في عُلاه – : ((وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)) [مريم:72]

اللهم اجعلنا من المتقين الناجين السالِمين، اللهم إنا نسألك الجنَّة من غير حسابٍ ولا سابِقةِ عذاب، اللهم إنا نسألك الجنَّة وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، اللهم اجعل خير أيامنا آخِرها وخير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنَّا … اللهم أعطنا ولا تحرمنا وآمنَّا ولا تفتنا وأعطنا وآثرنا ولا تؤثر علينا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

0

تقييم المستخدمون: 4.65 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *