تقوى الله سبيل سعادة الدارين

خطبة الجمعة 123

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

تقوى الله سبيلُ سعادة الدارَين

التاريخ: 3/ رجب/1438هـ
الموافق: 31/ آذار/2017م

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر
⏱ المدة: 20 دقيقة

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1⃣ إن كانت الجنَّة الهدف فكيف السبيل؟
2⃣ من يُعظِّمون الخلقَ أكثرَ مِن الخالِق.
3⃣ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا.
4⃣ مكاسِب المُتَّقين في الدنيا والآخرة.
5⃣ المحبَّة والمعيَّة والولايةُ من الله لهم.

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
6⃣ القرآن هُدًى لِلْمُتَّقِينَ.
7⃣ ما فائدة العلمِ إن لم يُثمِر خشيةً من الله؟!
8⃣ تقوى الله في الحرب.
9⃣ النصر والتمكين للمتَّقين.
رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيِّه وخليله، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كلِّه ولو كرِه المشركون، فصلواتُ ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أمَّا بعدُ إخوة الإيمان، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)) [آل عمران:133] ويقول عزَّ مِن قائل: ((إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36))) [النبأ] ويقول أرحم الراحمين: ((تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا)) [مريم:63]

إخوة الإيمان والعقيدة لو سألنا أي مسلمٍ ما هدفك في هذه الحياة؟ إلى أين سعيك لمعادك ومآلك؟ لأجابنا من وعى كتاب الله وسمِع من سُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أني أريد أن يرضى اللهُ عنِّي، وأن تكون الجنَّة ونعيمها المُقيم وسعادتها الأبدية هي مآلي ومعادي بعد سنين الدنيا العابرة… كثيرٌ من يتمنى وقليلٌ من يعمل أيها السادة … والأقل مِن أولئك وأولئك هم من يعلمون أي العمل هو الأصل والأساس للوصول إلى ذلك الهدف العظيم، مع أنَّ الآيات القرآنية بينته وأكثرت من ذِكره في عشرات المواضع من كتاب الله التي أتت لترشِدك إلى طريق الجنَّة طريق إلى الأساس في مرضاة الله، فقال تعالى: ((إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا )) ((تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا)) [مريم:63] ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)) [القمر:54-55] …

نعم – أيها الأحبَّة – إنها التقوى ، إنها ثمرةُ الإيمانِ ومرتبةُ الإحسان ومبلِّغةُ الجِنان بإذن الرحيم الرحمن … إنها التقوى وما أدراك ما التقوى؟!
أن تتقي الله سبحانه، يعني أن تجتنب ما يُحلُّ بك غضبه وسخطه ونقمته، وأن تسعى فيما يكسبك رضاه ومحبَّته وجنَّته، تقوى الله هي أن تعبد الله حقًا وأن يكون هو الأعظم والأكبر في قلبك حقًا!!

وهنا قد يسأل السائل: هل هناك مسلمٌ يعبد غير الله حقًّا؟! هل مِن مسلمٍ يُعظِم أحدًا أكثر من الله؟!

نعم أيها السادة هناك من يُعظِّم الخلق أكثر من الخالق، هناك من يلتزم الطاعات والعبادات والمَرضِيَّات أمام الناس، فإذا خلا بمحارم الله، وانعدم الرقيب، تجاوز إليها، تجاوز إلى ما كان يتظاهر أمام الناس بعكسه بل قد يكون يأمرهم أمرًا بخلافه … يخشى الخلقَ أكثرَ من الخالِق فيُحبِطُ عمله .. يستحي من الناس ولا يستحي من الله، يخشى الخلق ولا يخشى عقاب الله، يأمر الناس بالطاعات والصالِحات بل وقد يُنظِّر عليهم، فإذا خلا بمحارِم الله انتهكها، وفي مثل هذا نسمع الحديث الصحيح الذي أخرجه ابن ماجه في سُننه عَنْ ثَوْبَانَ  عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: ” لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا” قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ؟؟ قَالَ: ” أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا”. حبطت أعمالهم إذ لم يكن عملهم خالصًا لله وحده، حبط عملهم إذ لم يكن اللهُ هو الأعظمَ والأكبرَ والأكثرَ خشيةً في نفوسهم، حَبِط عملهم إذ لم يكونوا من المتقين … فحرموا الحسنات، وحرموا أعلى الدرجات، إذ استبانت حقيقة إيمانهم…

وفي مقابل أولئك – أيها السادة – نجد المؤمنين المُتَّقين، نجدُ أهلَ التقوى مِمَّن يخافون الله في السرِّ والعلن، في الخمول والنشاط، في الغنى والفقر، في المحبَّة والكراهية، في القوة والضَّعف… نجد من يعملون بما أنزل الله في كتابه وبما جاء به نبيه -صلى الله عليه وسلم- سرًّا وعلانية وقد امتلأت قلوبهم رضًا وقبولًا بقضاء الله وقدره …

هذه هي التقوى – أيها الأحبة – وهذه هي مرتبة المتَّقين التي لا تُنالُ الجنَّةُ إلا بها، ((إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا)) فالجنَّة للمُتقين الذين يعبدون الله، لا لِمن يعبدون الخلق، لمن يخافون الله في السرِّ والعلن أكثر مما يخافون الخلق، هذه التقوى هي التي تُنال بها معيَّة الله فآيات كثيرة خُتمت بقوله تعالى: ((وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)) [البقرة:194] هذه التقوى التي تُنال بها محبَّة الله وآيات كثيرة خُتمت بقوله تعالى ((فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) [آل عمران:76] هذه التقوى التي تُنال بها وِلاية الله : ((وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)) [الجاثية:19] هذه التقوى هي التي تُعَزُّ بها يوم القيامة يوم يُذلُّ غير المتقين ((يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا )) [مريم:85-86] ويا نعمَ الصحبةِ الصالحة في ذلك الموقِفِ وفي ذلك الوفد ((الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ )) [الزخرف:67] أنعِم بصُحبةِ المُتَّقين، وأنعم بذلك الوفد المُكرَّم الذي يُحشر، لتكون عاقِبته جنَّات النعيم المُقيم ((جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ )) [النحل:31] كذلك يجزي اللهُ من خافهُ في السرِّ والعلن، من خافه في القوة والضعف، من خافه في الاستطاعة وعدمها، اللهم اجعلنا من المُتَّقين واحشرنا معهم، آمن رواعاتِنا واستر عوراتِنا ولا تجعل سِرَّنا وسريرتنا شرًا من ظاهِرنا، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المُستغفرين.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله خير الوصايا وصيّةُ ربِّ البَرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]. فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفِتن، والسلامة من المِحَن، ومازال حديثنا – أيها السادة – عن التقوى، عن ثمرة الإيمان والإسلام التي وصَّى اللهُ بها المسلمينَ ومن قَبلَهم من أصحابِ الرسالات السماويَّة (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131].

هذه التقوى – أيها الأحبَّة – هي التي بغيرها يُحرَم الإنسان الهداية وإن قرأ كتاب الله وسمِع مِن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- … فإن لم يكن في قلب الإنسان تعظيمٌ لله وخشيةٌ وتقوى لله فلن ينتفع حتَّى بآيات القرآن الكريم، قال تعالى: ((الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ )) [البقرة: 1-2] فما فائدة العِلم، وما فائدة القيل والقال، إن لم تكن ثمرتُه الخشية من الله في السرِّ والعلن؟!!

هذه التقوى – أيها الأحبَّة – تظهر آثارها الإيجابية والسلبيَّة مباشرةً – فورًا – على الفرد والمجتمع، فتقوى الله مفتاح سعادة المجتمع وفلاح الدنيا قبل الآخرة، فالتقوى هي التي تمنع من حدثته نفسه بالسرقة عن السرِقةِ إن خلا بأموال الناس، وهي التي تمنع من تأججت شهوته من الاعتداء على أعراض الناس، تقوى الله هي التي تمنع الغني من الكِبر، وهي التي تمنع القوي من البطش، وهي التي تمنع المسؤول من الظلم، وهي التي تمنع الموظف المؤمن التقيّ من أخذ الرشوة … إنَّها التقوى، إنها مخافة الله ومراقبته في السرِّ والعلن.

إن المتأمل لكتاب الله – أيها الأحبَّة- ليرى أن التقوى ما وردت إلا لجلب الخير في الدنيا والآخرة فهي مفتاحُ طريقِ الفلاح والنجاح والرزق والنصر، قال تعالى: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )) [الطلاق:2-3]

ومن يتقِ الله، في نفسه وعرضِه، في شهوته، في مالِه، يَجْعَلِ الله لَهُ مَخْرَجًا، إن كنت غنيًّا اتق الله ليزيدك ويحفظك، وإن كُنت فقيرًا اتق الله ليرزُقك وليُغنيك من فضله، وإن كنت تُريد النِّكاح والعَفافَ فاتق الله ليُعينك على الزواج، ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )) [الطلاق:2-3] فمفتاحُ الرزقِ التقوى، بل هي مفتاح العزِّ والنصر أيضًا، فجلُّ آيات القتال ختمها الله مذكِّرًا بالتقوى، ((فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)) [البقرة:194] ((تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) [القَصَص:83]

مُعظم الآيات التي أتت تتحدَّث عن القتال ختمها الله مُذكِّرًا بأنَّ نصرَه للمتَّقين، لأنَّ حال الحربِ، ولأنَّ حمل السلاح، قد يُطغي البعض ويدفعهم للتجاوزِ لما في النفوسِ من أحقاد، فيتجاوز إلى ما حرَّم الله وإلى ما نهى عنه الشرع، لذلك أتت الآيات تذكِّر بتقوى الله، فنحن عندما نتعفف عن بعض ما نهانا الله عنه لا نفعل ذل إكرامًا وحيًّا لأعدائنا، عندما لا نمثِّل بالجُثث وعندما نُكرِم الأسرى، لا نفعل ذلك إلّا استجابةً وطاعةً لأمرِ الله لأننا متَّقون، والله تعالى وعد نَصرَهُ للمتَّقين، فالمجاهدون المُتَّقون، الذين يقولون فيصدُقون، ويحكُمون فيعدِلون، يصلحون ولا يُفسدون، ولا يتظاهرون بغير ما يُسرُّون ويُبطنون، أولئك المجاهدون الذين هم لشرع الله حقًا يُعظِّمون ولو خالف هواهم وما يشتهون، أولئك هُم المتَّقون المنصورون المُعانون …

((قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) [الأعراف:128]

اللهم اجعلنا منهم ومعهم وانصرنا بقدرتك على القوم الكافرين …

إني داعٍ فأمِّنوا

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 2 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *