هل نذبح أعداءنا إذا قَدَرْنا عليهم، أم نقول لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء؟

التوجيه والإرشاد - فأنتم الطلقاء

لا هذا ولا ذاك. العفو في حالتنا الراهنة -ونحن في أصل المعركة- عجز وحماقة، والذبح مُثْلةٌ محرَّمة لا تجوز. وهل يلزم أن نعفو أو نذبح؟ أين بقية الخيارات؟

1- لنقرّب السؤال بمثال: لو أن ثوارنا أسروا مقاتلين من العصابات الرافضية والطائفية التي تقاتلنا وترتكب أنواع الجرائم والموبقات، فهل يصلح أن يُخلوا سبيلهم ويقولوا: اذهبوا فأنتم الطلقاء؟ لو فعلوا ذلك لن يلبث أولئك الطلقاء أن يعودوا إلى قتالنا من جديد، فلا يصحّ إطلاقهم عقلاً ولا شرعاً. هؤلاء إما ان يُقتَلوا جزاء إجرامهم، أو يقايَضوا فنستخرج بهم بعض أسرانا من سجون النظام.

نحن نخوض اليوم حرباً وجودية، بمعنى أننا نقاتل دفاعاً عن حقنا في الوجود، فإما أن نكون أو لا نكون، وفي هذا المقام لا يُطلَب منا العفو، بل يُطلَب منا -تفضّلاً منا وانسجاماً مع ديننا وأخلاقنا- في حالة القوة والقدرة بعد التمكين والانتصار. لكنّ انعدام العفو لا يقتضي انعدام الرحمة، فهي مطلوبةٌ من المسلم واجبةٌ عليه في كل حال، ومن هنا استنكر جمهورُ المسلمين وعامة السوريين الذين يملكون فِطَراً سويّة وفهماً صحيحاً لدينهم العظيم وسيرة نبيهم الكريم الرحيم عليه أفضل الصلاة والتسليم، استنكر هذا الجمهورُ حادثةَ الذبح الأخيرة، رغم أن هذا الجمهورَ نفسَه يفرح كلما قرأ خبراً عن خسائر العدو، ويزداد فرحُه كلما زاد عدد القتلى من الأعداء.

2- إن الرحمة فضيلة واجبة على المسلم في كل حال، أما العفو فإنه سلوك مشروط، فهو فضيلة مندوبة إذا نشأ عنها خير ولم ينشأ ضرر، كالعفو عن قاتلٍ ارتكب جريمته في حالة جنون مؤقت فقدَ فيها السيطرة على نفسه، وهو في الأصل مسالم وديع، أما إن كان الجاني مجرماً متمرساً في الإجرام وغلب على الظن أن يعود إلى إجرامه إذا عُفي عنه وأطلق سراحه فيكون القصاص وترك العفو أفضلَ في تلك الحالة، وفي هذا المعنى يقول ابن تيميّة: “إن العفو إحسان، والإحسان لا يكون إحساناً حتى يخلو من الظلم والشر والفساد، فإذا تضمّن هذا الإحسان شراً وفساداً أو ظلماً لم يكن إحساناً ولا عدلاً. وعلى هذا فإذا كان القاتل ممّن عُرف بالشر والفساد فإن القصاص منه أفضل“. انتهى كلامه رحمه الله.

لذلك قرر العلماء أن قاطع الطريق يُقتَل وجوباً ولا يُعفى عنه إذا قتل الناس، ولو عفا عنه وليّ المقتول؛ قال ابن المنذر: “أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم”. وذهب مالك إلى الغاية في الاحتراز من الشرّ الراجح فقال ما معناه: إذا قطع الرجلُ الطريقَ فظفر به الإمام ورآه جَلْداً ذا رأي قتلَه ولو لم يقتل أحداً من الناس، لأن مثله لا يُؤمَن إذا تُرك أن يستمر في الحرابة والإجرام.

وهذا كله ينطبق على أعداء الثورة الذين يرتكبون كبائر الجرائم والموبقات صباحَ مساء، من العصابات الطائفية والرافضية والأجهزة الأمنية لنظام الأسد؛ هؤلاء كلهم لا يقول إنّ العفوَ عن أحدٍ منهم فضيلةٌ إلا أحمقُ ولا يطالب بإطلاقهم وتركهم إذا قُدِر عليهم أحدٌ من العقلاء.

3- مع إقرارانا بكل ما سبق إلا أنه لا يبرر الذبح والتمثيل والتعذيب، فإن تلك الممارسات كلها محرَّمة في ديننا الذي قيّدَنا بقيود أخلاقية صارمة، حتى في الحرب التي نخضوها دفاعاً عن أنفسنا وعن دين الإسلام. لقد أوجب الإسلامُ القتلَ في حالات معينة على المسلم وغير المسلم، لكنه اشترط دائماً أن يكون بأسهل طريقة وبلا ألم أو تمثيل. ويدخل في هذا الشرط مَن استحق القتل من الأسرى بعد القدرة عليه، وذلك لعموم حديث شدّاد بن أوس الذي أخرجه مسلم: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شىء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليُحدّ أحدكم شفرته وليُرِح ذبيحته”.

وفي حديث أبي داود وصحّحه ابن حبان: إنّ أعفّ الناس قِتلةً أهلُ الإيمان”. قال الشارح في “عون المعبود”: “أي أرحمهم من لا يتعدى في هيئة القتل من تشويه المقتول وإطالة تعذيبه، لما جعل الله في قلوبهم من الرحمة والشفقة لجميع خلقه، بخلاف أهل الكفر”. من هنا قال ابن تيمية في الفتاوى: “القتل المشروع هو ضرب الرقبة بالسيف ونحوه لأن ذلك أروح أنواع القتل”، ومثله ما قاله ابن رجب في “جامع العلوم والحكم”: “الإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب هو إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها من غير زيادة في التعذيب”.

وما أجملَ ما قاله -في هذا المعنى- المناوي في “فيض القدير”: “هم أرحم الناس بخلق الله وأشدّهم تحرياً عن التمثيل والتشويه بالمقتول وإطالة تعذيبه، إجلالاً لخالقهم وامتثالاً لما صدر عن نبيهم من قوله: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة. بخلاف أهل الكفر وبعض أهل الفسوق ممّن لم تَذُقْ قلوبُهم حلاوة الإيمان واكتفوا من مسمّاه بلقلقة اللسان وأُشربوا القسوة حتى أبعدوا عن الرحمن. وأبعدُ القلوب من الله القلب القاسي، ومن لا يَرحم لا يُرحم“.

الخلاصة

أ- علينا أن نفرّق بين قيمة “العفو” وقيمة “الرحمة”، وكلتاهما من القيم الإسلامية النبوية العظيمة، لكن الناس يخلطون بينهما في كثير من الأحيان، فيظنون أن الامتناع عن العفو (لمانع راجح) يستلزم الانتقال من الرحمة إلى القسوة.

إن الحزم يصبح أحياناً واجباً لتحقيق المصلحة ودفع الضرر ويكون العفو عندها سذاجة مفضولة، كأن نخلي سبيل مقاتلي العصابات الطائفية ليستمروا في الإجرام، ومنه أن يترك أردوغان العملاء المخرّبين بلا عقاب، فلا يلبثوا أن يكرروا الانقلاب ويدمروا البلاد. ذلك كله -لو حصل- عجزٌ وضعف لا يليقان بعاقل، فضلاً عن مسلم. إنما يكون العفو بعد القوة والقدرة والتمكين، مع نظر القائد أو الإمام وغلبة يقينه أن العفو عندئذ لا يجلب ضرراً على الجماعة ولا على أفرادها. فالعفو سلوك نسبي متغير، أما الرحمة فإنها قيمة مطلقة مطلوبة من المسلمين في كل حال.

ب- لا أحد يعترض على قتل الأعداء المحارِبين، بل إن إفناءهم جميعاً أمنية نتمناها كلنا بلا جدال. كم مقاتلاً من الأعداء قتله ثوّارنا ففرحنا لمقتلهم وخلاص الدنيا من شرهم؟ كثيرون. إنما نعترض على المُثْلة التي نهانا عنها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم (في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري) ونعترض على حزّ الرؤوس الذي يدخل في المثلة الممنوعة كما ذكر أهل العلم، ونذكّر إخواننا المجاهدين الصادقين في سوريا أن الذبح لم يُعرَف في الصدر الأول إلا عن الخوارج قاتلهم الله. فهل تقتدون بالخوارج أم تقتدون برسول الله وبصحابة رسول الله؟

مهما فعل أعداؤنا ومهما ارتكبوا من موبقات فإن لنا خلقاً يردعنا وديناً يمنعنا من مجاراتهم ومحاكاتهم في الوحشية والإجرام. قدوتهم خمينيّة وقدوتنا محمّدية، شتان بين خميني مجرم ضالّ كذاب ونبي كريم رحيم عظيم.

* * *

ملحق
أصدرت هيئة الشام الإسلامية قبل ثلاث سنوات فتوى موسعة شاملة في حكم الذبح والتمثيل، استفدت منها في كتابة هذه المقالة ونقلت منها بعض النصوص، وأوصي إخواني المجاهدين في سوريا جميعاً بقراءتها والاستفادة منها، وهي على هذا الرابط:

http://islamicsham.org/fatawa/1990

وبهذه المناسبة أحب أن ألفت نظر إخواننا قادة الفصائل والكتائب كلها إلى أهمية الفتاوى التي أصدرتها الهيئة خلال سنوات الثورة الخمس ثم جمعتها في كتب واحد، فقلّ أن يحتاج المجاهد إلى فتوى في نازلة من نوازل الثورة إلا وجد جوابَها في تلك المجموعة الفريدة من الفتاوى المحكمة المؤصَّلة، لذلك فإنني أقترح أن تكون دراستُها جزءاً من برنامج التكوين العلمي والتربوي للمقاتلين جميعاً، فإن العلم منجاة من الزلل. الفتاوى كلها مجموعة على الرابط التالي، وبعده رابط لكتاب الفتاوى في طبعته الثانية (وهو لا يشمل الفتاوى الأخيرة التي صدرت بعد صدور الكتاب):

http://islamicsham.org/fatawa

http://islamicsham.org/versions/796

0

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *