من المجاهد الذي يجوز له الفطر ومتى؟

التوجيه والإرشاد - من المجاهد الذي يجوز له الفطر ومتى؟

للتحميل بصيغة PDF

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحَمدُ للهِ الّذي فَرَضَ الصِّيامَ على عِبادِهِ المؤمِنينَ, فقالَ سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البَقرة 183].

وصلّى اللهُ وَسلَّمَ وَبارَكَ عَلى النَّبيِّ البَشيرِ الّذي بَشَّرَ بِعَظيمِ جَزاءِ المُجاهِد الصَّائِمِ, فقالَ – صلى الله عليه وسلم -: ” مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ” [مُتفقٌ عليهِ مِن حديثِ أَبي سَعيد الخُدريِّ – رضي الله عنه -].

أَخي أَيُّها المُجاهِدُ الحَبيبُ: إِنَّ اللهَ تَبارَكَ وَتعالى لَم يَفرِضْ علَينا الصِّيامَ لِعَجزِهِ عَنْ إِطعامِنا وَكِفايَتِنا, وَلا حاجةً منه إِلى جوعِنا وَظمَئِنا, كلّا فَهوَ الغَنيُّ الواسِعُ الرَّزّاقُ الكَريمُ، وَإِنَّما فَرَضَ – جلَّ جلاله – الصِّيامَ عَلَينا فَضلاً مِنه لِنَتعوَّدَ الطَّاعَةَ, ولنقوِّي إرادتنا وعزيمتنا وقدرتنا على التحكُّم بأنفسنا، وَلِنُحصِّلَ الأَجرَ, وَلِنَستَحِقَّ مَقامَ المُتَّقينَ, فَنكونَ مِمَّنْ قالَ فيهِم: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) } [القمر: 54-55] فَعَلينا أَيُّها الأخ الحَبيبُ أَنْ نفرَح ونستبشِر بقدومِ رمضان, وَأَنْ نَعتَبِرَ عِبادةَ الصِّيامِ مِنحةً مِن اللهِ لا تَكليفاً مُضنياً وَعِبئاً ثَقيلاَ: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس : 58]

وَقَد أَحزَنَنا وَآلَمَنا – واللهِ – ما رأيناهُ في الأَعوامِ السَّابِقةِ, حيثُ وَجَدنا الكَثيرَ مِن شَبابِنا المُجاهِدينَ مُفطِرينَ في نَهارِ رَمَضانَ بِلا مُبرِّرٍ شَرعيِّ, وَلا حاجَةٍ تَدفَعُهم لِلفِطرِ. كما أَحزَنَنا أَكثَرَ, أَنَّنا سَمِعنا بِمَنْ يُفتي هؤلاءِ المُجاهِدينَ بجوازِ الفِطرِ, مِمَّن هَوَ لَيسَ أَهلاً لِلفَتوى, فأَضاعَ على الشَّبابِ فَضيلَةَ الصِّيامِ, وَوَقَعَ هوَ في المَحظورِ بتجرُّئِهِ على الفُتيا بِغَيرِ عِلمٍ.

وَلِهذا أَحبَبْنا أَن نَستَبِقَ شَهرَ رَمضانَ المُبارَكَ لِهذا العامِ بِهذا البَيانِ, لِنوضِّحَ فيهِ لِلإخوةِ المُجاهِدينَ الأَكارِمِ مَن الّذي يَجوزُ لَهُ الفِطرُ وَمتى؟

روى مُسلمُ عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ, قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ” إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ ” فَكَانَتْ رُخْصَةً, فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ, ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ, فَقَالَ – صلى الله عليه وسلم -: ” إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا ” وَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا, ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ.

وهذا الحَديثُ يُبيِّنُ أَنَّ لِلمُجاهِدِ الصَّائِمِ ثلاثُ حالات, وَهيَ:
الحالَةُ الأولى: وهي أَنْ يَكونَ المُجاهِدُ قريباً مِن اللِّقاءِ بالعَدوِّ وَالاشتِباكِ مَعَهُ, وَهوَ يرى أَنَّ الصَّومَ يُضعِفُهُ عَن مُنازَلةِ العَدوِّ, فَهذا يُرخَّصُ لَه بالفِطرِ رُخصةً.
مِثالُ هذا اليَومَ: مَن كانَ يَتَحضَّرُ لِمَعرَكةٍ قَريبةٍ قَد تَكونُ بَينَهُ وَبينَ العَدوِّ بَعدَ يَومٍ أَو يَومَينِ, وَيرى أَنَّ الصِّيامَ قَد يُعيقُهُ عَن الاستِعدادِ الكامِلِ لِلقِتالِ.

الحالَةُ الثَّانية: أَنْ يَكونَ المُجاهِدُ على وَشَكِ الالتِحامِ بالعَدوِّ وَالقِتالُ حاضرٌ, وَهوَ يَرى أَنَّ الصَّومَ يُضعِفُهُ عَن مُنازَلةِ العَدوِّ, فَهذا يَجِبُ عليهِ الفِطرُ طاعَةً لِرَسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -, واستِعداداً لِحمايَةِ المُسلِمينَ والدِّفاعِ عَن الدِّينِ.
وَمِثالُ هذا: مَن كانوا في الجَبَهاتِ الحاميةِ, وَالمَعارِكُ قائِمةٌ فيها أَو على وَشَكِ(( كالمرابط في الجبهات الحامِيَة)).

الحالَةُ الثَّالِثة: أَن يَكونَ المُجاهِدُ خارِجَ هذينِ الحالَينِ, فَهذا لا يَجوزُ لَه الإِفطارُ بَل يأثَم إِن أَفطَرَ (وعليه القضاء، وفي بعض الحالات الكفَّارةُ مع القضاء أيضًا).
وَمِثالُ هذا اليَومَ: مَن كانَ (( يُرابِطُ في الجَبهاتِ البارِدةِ وَالنَّائِمةِ)), أَو يُداوِمُ على الحواجِزِ بينَ القُرى أَو في المَقرَّاتِ وَالمَخافِرِ, أَو كانَ يَعمَلُ في الجَبَهاتِ ولكِنَّ الصَّومَ لا يؤثِّرُ على عَمَلِهِ مُطلَقاً, كالحرَّاسِ في المَقرَّاتِ الخَلفِيَّةِ, وَالإعلاميِّنَ, وَالطِّبِّيِّينَ, وَمَن شابَهَهُم.

مُلاحَظات:
1- الأصلح لو أمكن أن يبدأ المجاهد المرابط نهاره صائماً حتى يأخذ أجر الصيام ولا يفوِّت هذا الخير العظيم.
2- بناءً على ما سبق نرى أَنَّ جوازَ الفِطرِ لِلمُجاهِدِ جاءَ بِسَبَبِ الضَّرورةِ, وَقدْ علَّلَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – ذلِك بِكَونِهِ أَقوى لِلمُجاهِدِ على مواجَهةِ الأَعداءِ, فلِهذا لا يَجوزُ لِلمُجاهِدِ المُفطِر بِسَبَبِ الجِهادِ أَنْ يَتناول الدُّخانَ أَو يَتعاطى النِّرجيلَة, لِأَنَّ ذلِكَ مُحرَّمٌ في رَمضانَ وَغيرِهِ، والمجاهرة به مجاهرةٌ بالمعصية, وَلأَنَّه مِمَّا يُضعِفُ المُجاهِدَ عِن القِتال أصلًا ولا يقوِّيه.
3- كل أصحاب الأعذار الذين يجوز لهم الإفطار في رمضان لا يجوز لهم المجاهرة بذلك – ولو بتعاطي المباحات – أمامَ الناس تعظيما لشعائر الله ولكي لا يفتنوا الناس في دينهم ويعرضوا أنفسهم للغيبة وسوء الظن، (كالمجاهد الذي عاد من ساحة المعركة قبل غروب الشمس) وعليه فيجب تعزير من يجاهر بذلك.
4- يجب على المجاهد بَعدَ انتِهاءِ رمضان وزوال المانِع الذي أفطرَ بسببه، قضاء الأيام التي أفطرها رخصةً في رمضان، لقوله تعالى:{ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184].

ختامًا:
فَلنَحرِصْ أَيُّها المُجاهِدونَ الأَبطالُ على القيامِ بِعبادَةِ اللهِ الجَليلِ وَالمُحافَظَةِ عليها, على السَّواءِ في رَمَضانَ وَغَيرِهُ, فإنَّ نَصرَ اللهِ تعالى يَتحقَّقُ بِطاعَتِهِ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7], فكُلَّما ابتَعدَ المؤمِنونَ عِن طاعَةِ ربِّهم كُلَّما ابتَعَدَ عَنهم نصرُ اللهِ تعالى.
كما نُهيبُ بإِخواننا قادةِ الفَصائِلِ وَالمَجموعاتِ أَن يُتابِعوا صِيامَ عَناصِرِهِم خارِجَ أَيَّامِ المَعارِكِ, وَأَن يأمُروهُم بالصِّيامِ لِأَنَّهم مسؤولون عنهم, وَالنَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَقولُ: ” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” [متفقٌ عليه]

اللَّهُمَّ بلِّغنا رَمَضانَ, وَأَعِنَّا فيهِ على الصِّيامِ وَالقِيامِ, وَغَضِّ البَصَرِ وَحِفظِ اللِّسانِ, وانصُرنا بِفضلِكَ على القَومِ المُجرِمينَ اللّئامِ, وَصلِّ اللهمَّ وَسلِّم على نبيِّنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصحبِهِ أَجمَعين، وآخِرُ دَعوانا أَنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ.

شام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – 26 / شَعبان / 1437 هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *