أشلاء أطفالنا

زهير سالم

خرج الموقف مما يجري على الأرض السورية منذ عامين عن كونه موقفا سياسيا ، ليصبح موقفا أخلاقيا إنسانياً بالاعتبار الأول والثاني والثالث . جريمة الأشرار على الأرض السورية واضحة حتى للعُمي الذين لا يبصرون . كل الفبركات والاختراعات الممنهجة التي يخترعها المجرمون لتزوير طبيعة المعركة ، والتغطية على حقيقة أنها معركة ضد الشر والظلم والاستبداد والفساد والقسوة والعنصرية مكشوفة معروفة لكل الذين يتابعون المشهد ويتظاهرون في بعض الأحيان بتخوفهم أو تشككهم مما يموه المموهون ..

وحين نؤكد أن الموقف من الجريمة التي تمرر فصولها البشعة على الإنسان في سورية أصبح موقفا إنسانيا أخلاقيا فإننا نعتبر أن كل ما يمكن أن يقال أو يعاد أو يكرر في مضمار السياسة أصبح من الخوض في الباطل أو من العبث الذي لا طائل من ورائه ..

إن فصول ( الجريمة ضد الإنسانية ) أو ( حرب الإبادة الطائفية ) التي تدار على الشعب السوري أكبر من أن يشير إليها مقال . أو يتحدث عنها كاتب . فمن أين سيبدأ الإنسان في تثبيت فصول هذه الجريمة الكريهة وأين سينتهي ؟! بل إن المتابع المنصف أصبح يشعر بالإثم وهو يتوقف عند فصل من فصول الجريمة لئلا يُخال أو يُظن أنه قد نسي أو تناسى أو غفل أو تغافل عن فصول الجريمة الأخرى .

إن كل فصل من فصول الجريمة التي نُفذت على الشعب السوري على المستويين الفردي والجماعي كفيلة بالحكم الجنائي المطلق على مرتكبها بأنه ( مجرم حرب ) بكل ما تحمله الإدانة من متضمنات إنسانية وأخلاقية وسياسية ..

وحين نتحدث عن فصول الجريمة على المستوى الفردي فإن المقصود الفصول التي كانت بدايتها مع حمزة الخطيب وعفاف سراقبة والتي توقفت محطتها الأخيرة وليست الآخرة عند الطبيب الإنسان ( عباس خان ) الذي أعلن بوفاته إنسانيته ونفاها عن آخرين من الصامتين والمترددين والمتواطئين .

أما فصول الجريمة الجماعية فمن أين يمكن أن نبدأ وأين يمكن أن نصير ؟! وكيف نقلب فصول الجريمة الكبرى للمجازر التي عجز عن متابعة فصولها رجال الإحصاء المتخصصون . من بانياس إلى البيضة إلى كرم الزيتون إلى القصير إلى درعا ومدنها إلى غوطة دمشق وأساليب القتل الممنهج فيها ومنها القتل بغاز السارين أو القتل بالتجويع إلى دير الزور حيث يجنّد المجرم ( الطبيب ) شلل الأطفال وسيلة فعالة لإبادة أطفال سورية أو الحكم عليهم بالإعاقة الأبدية ..

إن استخدام مجرم الحرب بشار الأسد ومشايعوه كل أدوات القتل المتطورة بطريقة فوضوية يضاعف آثار الجريمة وتداعياتها الكارثية . إن القصف بالطيران الحربي والقنابل الفراغية ، والصواريخ البعيدة المدى والبراميل المتفجرة كل ذلك يجعل الصامتين عليه وليس فقط الداعمين له شركاء عمليين في الجريمة . لا يمكن لهم أن يتنصلوا منها أو أن يلقوا إثمها عن كواهلهم بأي حال من الأحوال

إننا وفي اليوم العاشر لاستخدام البراميل الغبية في تدمير بنيان مدينة حلب وفي قتل إنسانها ” رجالها ونسائها وأطفالها ” نجد أنفسنا أمام فصل جديد من فصول الجريمة المستمرة ، التي لا يمكن أن تنسينا إذا أراد البعض أن ينسى جريمة السارين يباد به البشر في غوطة دمشق .

إن اللوحات المروّعة لأشلاء أطفال حلب تنتشل من تحت الأنقاض أصبحت اليوم هي اللوحات الأكثر فنية ودلالة للتعبير عن الحال الذي وصلت إليه إنسانية الإنسان في القرن الحادي والعشرين .

إن حصاد البراميل المتفجرة من الأشلاء المبعثرة لأحياء المدينة هو تعبير حي عن أشلاء إنسانية محطمة شوهتها المادية وبعثرها التعصب الديني والمذهبي ليس على مستوى المنطقة بل على مستوى العالم . ..

إن أشلاء أطفالنا – قريبا من مائة طفل في الأيام العشر– ستكون نورا يضيء طريق الثورة والثوار ويشحذ عزائمهم ويحدد معالم المستقبل لشعب يجب أن يكونوا قد حفظوا عنه من درس الثمانينات أنه لا ينسى ولا يلين ..

وستكون أشلاء أطفالنا لعنة على كل أولئك الذين يديرون ظهورهم للمشهد ، فيتشاغلون عنه ، أو يفكرون بالجلوس مع المجرم القاتل أو من يمثل المجرم القاتل أو من يمثل من يمثل المجرم القاتل حتى الدرجة السابعة والسبعين : ” أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *