متى يجوز إسقاط الدين عن المعسر مقابل الزكاة؟

متى يجوز إسقاط الدين عن المعسر مقابل الزكاة؟

متى يجوز إسقاط الدين
عن المعسر مقابل الزكاة؟

السؤال: هل يجوز إسقاط الدين عن المعسر في مقابل الزكاة؟

جوابنا مختصرًا: “من كان له دينٌ عند شخص مُعسِر لا يستطيع السداد فلا مانع من أن يسقط الدائن الدينَ عن المدين زكاةً عليه، بشروط:

  1. أن يكون المدين عاجِزًا عن الوفاء (لا أن يكون غنيًا مماطلا!)،
  2. وقد استدان في مباح أو في طاعة (فمن استدان في معصية لا يُعطى)،
  3. وأن يبرِئَه من دَينه، وأن يُعلِمَه صراحةً بذلك.
  4. وقيد البعض بأن يكون دينَ قرضٍ لا من ديون التجارات.

فمثل هذا المدين العاجز، إن لم يكن من الفقراء والمساكين، فهو قطعًا من الغارمين، فهو من أهل الزكاة، والإبراء بمنزلة الإقباض، وهو يحقق للمدين حاجة نفسية، بإزاحة ثقل الدين عن كاهله فينزاح عنه هم الليل، وذل النهار، وخوف المطالبة والحبس، فضلاً عن عقوبة الآخرة.

ختامًا: هذه المسألة فيها خلاف بين الفقهاء وكثير من الفقهاء على منع إسقاط الدين في مقابل الزكاة، وأجازه بعض الفقهاء بالشروط التي وضحناها، وهو قول قوي صحيح في مذهب الحنابلة والشافعية، وما اخترناه في هذه الرسالة كان بعد مشورة عدد من أهل العلم الثقات ومراجعة أقوال الفقهاء، ومن أراد الاستزادة والشرح والدليل فلينظر التالي.

 

كتب الدكتور فضل بن عبد الله مراد (الأمين العام المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أمين لجنة الاجتهاد والفتوى، استاذ الفقه والقضايا المعاصرة جامعة قطر)

من كان له دين عند شخص معسر فلا مانع من أن يهب الدائن له زكاة ماله، لقوله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 280]. فخيّر سبحانه بين إنظاره وبين التَّصدّق عليه به، والتصدق هنا يشمل إسقاطه أو إعطاؤه له من الصدقات، وقد سمّى الله تعالى الزكاة صدقة في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ…) [التوبة:60]، (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا..) [التوبة:103]، هذا من المنقول،

أمّا من المعقول؛ فلأنه مالٌ أعطي لفقير من مالك فجاز جعله زكاةً كجواز الصدقة المطلقة والهبة.

وما اخترناه هو قول صحيح مقابل الأصح في مذهب الشافعي، وهو قول عطاء والحسن وذهب إليه ابن حزم.

ومن ذهب إلى المنع كما في الأصح عند الشافعية والحنفية والحنابلة، فاستدل بأن الزكاة أخذ وعطاء: “تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم” وهذا متعقَّب بأن الأخذ والعطاء ليس ركناً ولا شرطاً، فلو أعطاه وديعة ثم قال له: “اجعلها زكاة لجاز”، ومن حججهم أن النية كانت للقرض لا للزكاة، ويجاب عنه أن النية حال التصدق عليه (زكاة) متصلة بالعمل، فما المانع من الصحة كالوديعة؟!

وذهب البعض إلى أنه إن كان دين تجارة فلا يجزئ، ولا حجة فيه إلا الخوف من التهرب من الزكاة بخصم الديون، وهذا كذلك متعقب؛ لأنه إن كان الدين قرضًا من معاملة أو غير معاملة والمستدين ((فقير)) فقد وجد الموجب للتصدق عليه فشمله العموم وهو الفقر.

إلا أن هناك ملحظا مهما هنا وهو أن من اتخذ من التجار ذلك حيلة للتهرب من الزكاة وحفظ ماله فهو آثم والقول بعدم الإجزاء هنا قوي لأنه عاص بفعله.

انتهى كلام الدكتور مراد.

 

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي -رحمه الله- في إسقاط الدين عن المدين بنية الزكاة:

قال الإمام النووي: إذا كان لرجل على معسر دين، فأراد أن يجعله عن زكاته وقال له: جعلته عن زكاتي، فوجهان (في مذهب الشافعي). أصحهما لا يجزئه، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد؛ لأن الزكاة في ذمته، فلا تبرأ إلا بإقباضها، والثاني: يجزئه، وهو مذهب الحسن البصري وعطاء؛ لأنه لو دفعه إليه، ثم أخذه منه جاز، فكذا إذا لم يقبضه، كما لو كانت عنده دراهم وديعة ودفعها عن الزكاة، فإنه يجزئه سواء قبضها أم لا. أما إذا دفع الزكاة إليه بشرط أن يردها إليه عن دينه، فلا يصح الدفع إليه، ولا نويا ذلك ولم يشرطاه جاز بالاتفاق، وأجزأه عن الزكاة، وإذا رده إليه عن الدين برئ منه، ولو قال المدين: ادفع إلى زكاتك حتى أقضيك دينك، ففعل، أجزأه عن الزكاة، وملكه القبض، ولا يلزمه دفعه إليه عن دينه، فإن دفعه أجزأه (المجموع: 210/6 – 211).

ما ذكره النووي عن الحسن هنا نقله عنه أبو عبيد: أنه كان لا يرى بذلك بأسًا، إذا كان ذلك من قرض. قال: “فأما بيوعكم هذه فلا”. أي إذا كان الدين ثمنًا لسلعة، كما هو الشأن في ديون التجار، فلا يراه الحسن مجزئًا، وهو تقييد حسن.

أما أبو عبيد القاسم فشدد في ذلك ولم يره مجزئًا بحال، ونقله عن سفيان الثوري، ورأى في ذلك مخالفة للسنة، كما خشي أن يكون صاحب الدين إنما أراد أن يقي ماله بهذا الدين الذي قد يئس منه، فيجعله ردءًا لماله يقيه به، ولا يقبل الله إلا ما كان له خالصًا (الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلّام، ص 595 – 596 – طبع دار الشرق).

وقال ابن حزم: من كان له دين على بعض أهل الصدقات، فتصدق عليه بدينه قبله، ونوى بذلك أنه من الزكاة، أجزأه ذلك، وكذلك لو تصدق بذلك الدين على من يستحقه، وأحاله به على من هو له عنده، ونوى بذلك الزكاة، فإنه يجزئه.

برهان ذلك: أنه مأمور بالصدقة الواجبة، وبأن يتصدق على أهل الصدقات من زكاته الواجبة بما عليه منها، فإذا كان إبراؤه من الدين يسمى صدقة، فقد أجزأه.

واستدل ابن حزم بحديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم قال: أصيب رجل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : “تصدقوا عليه” قال: وهو قول عطاء بن أبي رباح وغيره (المحلى: 105/6 – 106).

وهو مذهب الجعفرية أيضًا. فقد سأل رجل جعفرًا الصادق قائلاً: لي دين على قوم قد طال حبسه عندهم، لا يقدرون على قضائه، وهم مستوجبون للزكاة: هل لي أن أدعه، فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: نعم (فقه الإمام جعفر: 91/2).

وعندي أن هذا القول أرجح، ما دام الفقير هو المنتفع في النهاية بالزكاة بقضاء حاجة من حوائجه الأصلية وهي وفاء دينه، وقد سمى القرآن الكريم حط الدَين عن المعسر صدقة في قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، وأن تصدقوا خير لكم، إن كنتم تعلمون). (البقرة: 280).
فهذا تصدق على المدين المعسر، وإن لم يكن فيه إقباض ولا تمليك، والأعمال بمقاصدها لا بصورتها، وهذا بشرط أن يكون عاجزًا عن الوفاء، وأن يبرئه من دينه، ويعلمه بذلك، فمثل هذا المدين العاجز، إن لم يكن من الفقراء والمساكين، فهو قطعًا من الغارمين، فهو من أهل الزكاة، والإبراء بمنزلة الإقباض، وهو يحقق للمدين حاجة نفسية، بإزاحة ثقل الدين عن كاهله فينزاح عنه هم الليل، وذل النهار، وخوف المطالبة والحبس، فضلاً عن عقوبة الآخرة.

غير أن ما قاله الحسن من تقييد ذلك بدين القرض لا ديون التجارات، أمر ينبغي اعتباره، خشية استرسال التجار في البيع بالدين رغبة في مزيد من الربح، فإذا أعياهم اقتضاء الدين احتسبوه من الزكاة.

*(انتهى من كتاب فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوي، ص327/2)

0

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *