قرار عن الدستور خطير
لو كنت الأمير
قرار عن الدستور خطير
مناسبة الحديث
سمعنا جميعًا عن تعليق روسيا لحضور وفد نظام الأسد الكيماوي لمهزلة مفاوضات اللجنة الدستورية، تلك التي بدأت بالحديث عن مفاوضات مع نظام الأسد كانت قد انطلقت من لجنة تفاوضٍ، المفروض أنها تفاوِضُ على انتقال سياسي، ووصلت الآن – بمساعي الروس والأتراك – إلى الحديث عن تعديل بعض بنود الدستور، (هذا إذا وافقت مَن يصفها رئيس اللجنة هادي البحرة بحكومة الجمهورية العربية السورية.. ويقصد بذلك نظام الإجرام الأسدي!!) … في سابقة لم تحصل في أي دولة أخرى، وذلك عندما تقوم لجنة معيَّنة من عدة دول بالعمل خارج حدود البلاد على صياغة دستور لشعب لم يفوضها بذلك!!
الدستور
وعندما نتحدث عن الدستور فنحن نتحدث عن قانون أعلى يقوم على تحديد القواعد الأساسية لشكل الدولة، ونظام حُكمها، وشكل حكومته، وتنظيم سلطاته العامة، وشكل علاقة الحكام بالمحكومين والقيم الأساسية للدولة والمجتمع…
الدستور يأكله الحمار
ولكن رغم مكانة الدساتير بالمنظور السياسي فقلَّما تُحتَرَم في دولنا العربية وسائر الدول الديكتاتورية، التي لا تَحترِم أنظمتُها أي قانون أو شريعة، على اختلاف في نسبة ذلك بين نظام ونظام أو دولة وأخرى…وما نفْعُ دستورٍ ممتاز يُغيَّر أو يتم تجاهله حسب هوى السلطة؟!
الثورة السورية والدستور
ولعل من أول المعارك الوهمية الدونكيشوتية التي تشاغل بها بعض المحسوبين على الثورة من المنظرين والمتفلسفين وغيرهم، قضية الدستور والتي طُرحت منذ سنوات الثورة الأولى حين كان التفاؤل يسود جماهير الثوار، وطرحت فكرة الدستور البديل عن دستور الأسد في المرحلة الانتقالية، وحينها طُرِحَت فكرة اعتماد (دستور سوريا 1950 – دستور الاستقلال) كبديل مؤقت كون أنه الدستور السوري الوحيد الذي:
- كتبه السوريون بطريقة صحيحة قانونية.
- نتج عنها دستور يعتبر من أفضل الدساتير التي كُتبت في دول المنطقة.
- كُتب بطريقة شرعية من ممثلين أخذوا شرعية عملهم من تفويض حقيقي بآليات صحيحة قانونيًا من الشعب السوري في زمن الحكم الديموقراطي المدني ما قبل السلطات الانقلابية البعثية الدكتاتورية.
ويومها – أول الثورة – ثارت ثائرة الغلاة، وجُنَّ جنون أكثرهم، حتى قبل أن يقرؤوه أو يطلعوا عليه، فحاربوا الفكرة كعادتهم في تحويل أي فكرة إيجابية في الثورة إلى مجرد سجال دون طرح بدائل عملية لكي يفشل السوريون بالتوافق على أي شيء، وفي تلك الفترة كنت أجيبهم ببرود: “لا تتعبوا أنفسكم… دستور 1950 لن تطولوا ربع ما فيه”.
فالواقع يقول إن لم نسيطر على سورية فعلا فأنَّى لنا أن نأمل بمثل دستور 1950 (وإن كنا يومها نحلم بأكثر مما فيه) مِمّا يحفظ قيمنا وديننا في إطار ما يحاولون فرضه علينا اليوم؟!!
إذ أنى لهم أن يوافقونا على دستور 1950 وهو:
- دستور نصَّت المادة 3 منه: “دين رئيس الجمهورية الإسلام، الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع”. (وليس مصدر من المصادر، انتبهوا: المصدر الرئيسي، أي إن كل ما عداه ثانوي، وفعليا لا يجوز مخالفة الثانوي للرئيسي).
- دستور جاء في المواد 16،17،18 منه ما خلاصته: ضمان حرية التظاهر السلمي، وتشكيل الجمعيات والأحزاب السياسية وسائر النشاطات التي تكفل حرية المجتمع وتصون قوة التأثير المدني لأفراده.
- دستور جاء في المادة 28 منه: “يجب أن يهدف التعليم إلى إنشاء جيل قوي بجسمه وتفكيره، مؤمن بالله، متحلٍّ بالأخلاق الفاضلة، معتز بالتراث العربي، مجهّز بالمعرفة، مدرِك لواجباته وحقوقه، عامل للمصلحة العامة، مشبع بروح التضامن والأخوة بين جميع المواطنين. يحظر كل تعليم ينافي الأهداف الواردة في هذه الفقرة”. (أي يحظر كل تعليم وكل نشاط ينشر فكرة ضد الإيمان بالله والأخلاق الفاضلة بينما اليوم يتحدثون عن ضمان حرية مروجي الأفكار المنحرفة والشاذة والمصادمة للفطرة البشرية في الدستور!).
- دستور جاء في المادة 32 منه: “الأسرة هي الركن الأساسي للمجتمع، وهي في حمى الدولة، تحمي الدولةُ الزواجَ وتشجع عليه وتزيل العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه”.
- دستور جاء في المادة 34 منه: “الأوقاف الإسلامية ملك للمسلمين، وهي مؤسسة من مؤسسات الدولة العامة، تتمتع باستقلال مالي وإداري وتنظم أوضاعها بقانون”.
- بالإضافة لرؤية إصلاحية تنظيمية لعموم المجتمع السوري…
بعد كل ما قدمت به، أقول: #لو_كنت_الأمير لدفعت نحو تشكيل مجلس نيابي (يمكن حاليا مجلس الشورى) في المحرَّر يقوم بدوره باعتماد دستور 1950 كإعلان دستوري مؤقت للسوريين في المناطق المحرَّرة، ريثما تتحرر بلادنا ويتم انتخاب لجنة تأسيسية لصياغة دستور جديد للدولة السورية القادمة على الأرض السورية…
وبهذا نكون قد حققنا المكاسب التالية:
- قطعنا الطريق على اللجنة الدستورية وغيرها من المؤامرات على الشعب السوري، بدستور شرعي مقَرّ من السوريين جميعا يمثل قيمهم ومجتمعهم.
- وضعنا أساسًا بديلا عن دساتير الأسد الأب والابن ليكون أصلا مرجعيًا لأي عملية تفاوضية ستحصل يومًا ما على الدستور، (بالطبع بعد تطبيق مراحل الانتقال السياسي التي تسبق الحديث عن الدستور).
- أعطينا مزيدا من الشرعية لحكومة الداخل، إذا لا حكومة بلا دستور مرجعي لها، يوضح السلطات ويحددها، أما بغيره فما نراه من مؤسسات يسمى إدارة وليس حكومة.
- وضعنا خطوطا فعلية عملية نحتاجها كرؤية شاملة في المناطق المحرَّرة حاليًا وفي سورية المستقبل فيما نص عليه الدستور.
- بل حتى من الناحية التنظيمية للسلطة التنفيذية فشكل تنظيم السلطة في دستور 1950 قد يكون أقرب وأسهل تنفيذا في مناطقنا المحررة من الانتخابات المباشرة، فقد نصت المادة الحادية والسبعون من الدستور على: “ينتخب رئيس الجمهورية من قِبَل مجلس النواب بالتصويت السري”.
في الحقيقة الأمر يحتاج إلى قرار جريء تاريخي من قيادة قوية جريئة لقوى حقيقية مسيطرة على الأرض السورية، مع مؤازرة إعلامية مميزة.
ولئن تفرَّد الأتراك بالملف السياسي والعسكري ولم يسيطروا على كامل ملف الإدارة للمنطقة المحررة، فلتكن هذه الخطوة مدخلا مهما لتنظيم عملية الإدارة ورسالة قوية بالاتجاه الصحيح إلى كل السوريين على أرض سورية وفي المهجر، بل وإلى جميع الدول.
هذا والله أعلم… اللهم ألهمنا مراشد أمورنا وولِّ علينا خيارنا.