ذكرى وفاة علي عزت بيغوفتش / 19 تشرين الأول 2003

تشرين الأول - ذكرى وفاة علي عزت بيجوفيتش

كتب #نواف_القديمي:

“كنت في ثالث ثانوي حين أهداني أحد الشباب كتاباً لعلي عزت بيغوفتش ( #الإسلام_بين_الشرق_والغرب).. وشاركته مع آخرين بحلقات نقاشية حوله، حينها لم أفهم كثيراً مما في الكتاب، لكن شروحات الشباب الأكبر سناً ساعدت على الفهم، فتعرفت على بعض أفكاره..

في شتاء عام ١٩٩٦ – وكنت في سنتي الجامعية الأولى – ذهبت مع وفد إعلامي إلى البوسنة، وكانت للتو قد عقدت اتفاق دايتون لإنهاء الحرب، كانت البلاد خراباً، وآثار القصف والدمار في كل شوراعها وميادينها، شيء يشبه حالة المدن السورية اليوم.. كان برنامج الرحلة مكتظ بالكثير من اللقاءات والجولات والزيارات لمدن عديدة..

كنت في شوق لرؤية الرئيس بيغوفيتش الذي قاد حرباً سياسية وعسكرية شرسة.. كانت صور الرجل العجوز بمعطفه الأسود الطويل وهو يمشي وسط المقاتلين على الأرض المكسوة بالثلج مُهلمة ومؤثرة.. وقبل ذلك عرفه العالم الإسلامي والغربي مفكراً مرموقاً له طروحات عميقة ومبكرة ومن أبرز من ناقش مصطلحي الثقافة والحضارة وخاض في جدل الفن والعلم والدين وكتب بتوسع عن علاقة المنظومة القيمية للإسلام بالمدارس الفلسفية الغربية ونزعاتها المادية..

لم يكن في برنامج الوفد الالتقاء ببيغوفتش.. فسألت عن المسجد الذي يصلي فيه الجمعة، وقررت مع بعض الأصدقاء الصلاة معه.. قبيل الصلاة ذهبنا للمسجد الذي يصلي فيه الرئيس.. كان الشتاء في العاصمة سراييفو شديد البرودة..

وصلنا إلى المسجد ولم نجد عنده أي إجراءات أمنية رغم كونه المسجد الذي يصلي فيه الرئيس في بلد خرجت للتو من حرب.. كان المسجد مكتظاً، فاضطررنا للصلاة في الباحة الخارجية وسط البرد.. وبعد جلوسنا بدقائق نستمع لخطبة الجمعة باللغة البوسنية، وإذ برجل عجوز بجلس بجواري.. التفت تجاهه بعد قليل وإذ به الرئيس #علي_عزت_بيغوفيتش ..

ظل مطرقاً طوال الخطبة، وكان يرافقه شخصٌ واحد.. بعد انتهاء الصلاة بثوانٍ سلمت عليه، ثم وقف واتجه للخروج.. في هذه اللحظة التقطت له صورة.. بعد خروجنا سألنا عن منزل الرئيس، فأشاروا لعمارة سكنية متواضعة، وقالوا: هو لا يملك بيتاً، بل يسكن في شقة ابنه..

كانت حياة علي عزت بيغوفتش بحق ملحمة نضالية، بين السجن والمنفى والصراع السياسي الطويل والحرب الهوياتية الشرسة، كل ذلك جعله يكتب تحت وقع التجربة الإنسانية الكثيفة والواقع المركب الصعب..

قال المسيري مرة أنه لو كان اطلع على أطروحات بيغوفتش مبكراً لكان اختصر عليه سنين طويلة من البحث ليصل إلى ما وصل إليه..

رحمه الله، ورفع درجته بقدر ما بذل وتعب وناضل”.

#ذكرى_وفاة_بيجوفيتش
١٩  تشرين الأول #أوكتوبر ٢٠٠٣م

0

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *