المخدرات والمسكرات وأثرها على الفرد والمجتمع

خطبة الجمعة - المخدرات والمسكرات

 

 

🔊 #خطبة_الجمعة
🎙 #الشيخ_محمد_أبو_النصر

💊 #المخدرات و #المسكرات🍻
وأثرها على الفرد والمجتمع
ورسالة مهمة للآباء والأمهات

التاريخ:7/ شعبان/1440هـ
الموافق:12/نيسان/2019م

🔴 الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ تكريم الإنسان بعقله وهو مناط التكليف.
2️⃣ كل ما يغيب العقل خمر، أيا كان شكله ونوعه.
3️⃣ الوعيد والتهديد من الله لمتعاطي المسكرات.
4️⃣ آثار تعاطي المخدرات والمسكرات على الفرد والمجتمع.
5️⃣ أم الخبائث!!
6️⃣ طرق استدراج الشباب والبنات وقصص مخزية يندى لها الجبين.
7️⃣ ضرورة عون المتعاطي على التوبة وإيصاله لمراكز العلاج للاستشفاء، والتفريق بين المتعاطي والمروِّج والتاجر.
8️⃣ مسؤولية الحكومات والجماعات والأمنيات، ووجوب إنزال أشد العقوبات بالتجار والمروجين (الإعدام).
9️⃣ ضرورة توعية أهل بيتك، والحذر من القريب والغريب.

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

  • ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمد للهِ نحمده ونستعينُ به ونستهديه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِ اللهُ فهو المهتَد، ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشِدًا، وأشهدُ ألَّا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عبدُه ورسُوله وصفِيُّه وخليلُه، أرسله ربُّه بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظهِره على الدينِ كُلِّه ولو كرِه المشرِكون، فصلوات ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيتهِ الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه الغُرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربهم واهتدى بهُداهم إلى يوم الدين.
أمّا بعد إخوة الإيمان:

يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين: 4]، ويقول سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70].

إخوةَ الإيمان والعقيدة لعلّ مِن أعظمِ النِّعم التي كرّم الله تعالى بها بني آدم وميّزهم بها عن سائر المخلوقات نِعمةُ العقل، نِعمة العقل الذي يميز به الإنسان الحسن من القبيح، والخير من الشر، نعِمةُ العقل أَعظِم بها من نِعمة وهي مناط التكليف فإذا سلَبَ الله ما وَهَب أسقط ما وجَب، لذلك أتت الشرائع السماوية تُحدّث عن المحافظةِ على العقل، تحدّث عن المحافظةِ على العقل وتنهى عن كلّ ما يغيِّبُ ويذهِبُ العقل حفاظًا على كرامَة الإنسان، حفاظًا على إنسانيةِ الإنسان، وكلّ الشرائع السماوية لذلك أتت بأشد العقوبات في كلّ فعلٍ يعبثُ بالعقل ويؤثّر على العقل ويفسِدُ العقل، ولعلّ من أعظم تلك الأمور التي تفسد العقل المُسكِرات والمخدراتُ والمُفَتِّرات؛ تلك التي جاءت نصوص الشريعة بتحريمها، فقد حرّمت الشريعة كلّ مُسكِر وجاءت نصوص الشرع بتشديد العقوبة على من تعاطاها بملء إرادته، فمن غاب عقله بجنون أو صِغَر يُرفع عنه القلم ولا يتحمّل تبِعةَ أفعالِه، أمّا من سَكِر وشرِب أو تعاطى من المخدرات ما يغيِّبُ عقله بملء إرادته فإنّه يتحمّل جريرة ما صدر عنه وهو فاقدٌ للإرادة، لذلك مثلا طلاق السكران يقع وإن كان غائبًا غيرَ مُدرِك لأنّه سكِر بملء إرادته، لأنّه تعاطى ذاك المشروب الخبيث أو لأنّه شرب من تلك المخدرات الخبيثة التي نهى الله عنها في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90]، رِجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون، وقال عزّ من قائل: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة: 91]، متى تنتهي عن تلك الحبوب التي تتعاطاها؟! ونحن نرى حولنا الجرائم تكثر ممن يتعاطون هذه الحبوب، (يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ)، تلك الحبوبُ وتلك المخدِّرات وتلك المشروباتِ التي ينتفع البعض بمرابِح تجارتِها (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ  قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) [البقرة: 219]، إثمُهما وضرَرَهُما على الفرد والمجتمع والأمّة أكبر بكثير من ذاك النفع المادي الذي يحصِّلُه المجرمون الذين يتاجرون بما حرّم الله ورسوله، ولهذا أتت الآيات والأحاديث -أيُّها الأحبَّة- تنفر عن تعاطي المسكرات وتنهى عن ذلك، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم، يقول روحي فداه: “من شرِب الخمرَ في الدنيا فمات وهو يدمنُها لم يتُب لم يشربها في الآخرة”. وليس في الآخرة من الدنيا إلا الأسماء، فخمر الآخرة ليس فيها من الدنيا غير الاسم؛ منزّهةٌ عن الغَولِ وعن الرِّجسِ وعن النجاسة، وفي رواية أخرى: «كلُّ مُسكِرٍ حرام، إنَّ على اللهِ عزَّ وجلّ عهدًا لِمَن يَشربُ المُسكِر أن يسقيَهُ مِن طِينةِ الخَبال»  قالوا: يا رسولَ الله، وما طينةُ الخَبال؟ قال: «عَرَقُ أهلِ النَّار» أو «عُصارةُ أهلِ النَّار».. [رواه مسلم]. وروى الإمام أحمد بسنده إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: قال روحي فداه: “مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد الوثن”. [رواه احمد]، مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد الوثن، اسمع أخا الإسلام إنّها نصوص زَجرٍ ووعيد وتخويف وتهديد يقفُ عند حدّها من يعلم أنّه محاسب غدًا أمام الله العليم العظيم القدير.

أيُّها الأحبَّة عندما نقرأ هذه الآيات ونسمع هذه الأحاديث عن الخمر وعن المسكرات يبدأ الشيطان للالتفاف على بني آدم يريد أن يلتف عليه لكي يوقعه في المحظور فيدخل عليه مِن مداخل شتى، من تلك المداخل أن يغري الإنسان بشرب ما لا يسكر قليله، يقول لك هذه كمية قليلة لا تُسكِر، ورسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “كُلّ مُسكِر حرام”. [متفقٌ عليه]، كلّ مسكرٍ حرام، ليس الخمر فقط، الحب، المخدرات، الإبر، كل ما يتم تعاطيه، ما يُستنشَق، ما يُشرب، ما يُمضغ، كُل مسكرٍ حرام…

وما أسْكَرَ منه الفَرَقُ، فمِلءُ الكَفِّ منه حَرَامٌ” [صحيح، أخرجه أبو داود]، الفرَق آنية تتسع بمكاييل زماننا إلى قرابة عشرة ليترات، النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يقول لك ما كان إذا شربت منه عشر ليترات حتى تسكر فملء الكف، أي حسوةٌ منه، ملء الكف منه حرام. نعم -أيُّها الأحبَّة- لا يدخلنَّ عليكم الشيطان من هذا المدخل.

يأتيك شيطان من مداخل أخرى حدّث عنها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عندما قال: “ليشربن ناسٌ مِن أمّتي الخمرَ يُسمّونها بغير اسمها”. [أخرجه أبو داود وأحمد]، يسمّونها بغير اسمها، مشروباتٌ روحية، مشروبات منشّطة، حَب الكَيف، لا يقولون لك هي مخدرات، يسمّونها بغير اسمها والنتيجة أنّها خمر، فالخمر المحرّمة -أيُّها السادة- هي كلُّ ما خامر العقل؛ أي كلُّ ما غطى العقل أيًا كان اسمه، أيا كان جسمه (سائلًا، صلبًا، بودرة، ولو غازا…) أيا كان اسمه وجسمه وشكله طالما أنّه يخامر العقل أي يغطي العقل فهو حرام، ولعلّ أيُّها الأحبّة- ولعلّ أخطر ذلك ما راج بين الناس في زماننا، أمر عجيب استفحل بين الشباب وبين الرجال بدرجة خطيرة جدا: ألا وهي تعاطي الحبوب المخدرة وتعاطي الحبوب المُفتِّرة، يسمّونها بغير أسمائها بحجّة النشاط، بحجّة الكيف، بحجّة السلطنة، بحجّة أنّه يهرب من همومه وواقعه… يستحلّون ما حرّم الله، ورسول الله يقول لك: “كلّ مسكرٍ خمر وكلّ مُسكِر حرام”. حرّمها الله علينا -أيُّها الأحبَّة لما فيها من ضرر على الفرد لأنّها خبيثة تُضِر بالفرد وبالأسرة وبالمجتمع، وإذا أردنا أن نحصي عواقب تعاطي المخدرات والحبوب والمسكرات والإدمان عليها فهي أكثر من أن تعد أو تحصى، ولذلك سمّاها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم “أُمَ الخبائث” أم الخبائث أم المعاصي تلك الحبّة التي تتعاطاها أو ذاك المشروب الذي تشربه فيغطي عقلك، من تعاطاها أدخل النقص عليه في دينه وفي ماله وفي عقله وفي عِرضه وربما انسلخ عن ذلك كلّه، نسأل الله السلامة والعافية.

في الصحيح مما أخرجه النسائي عن عثمان رضي الله عنه أنّه قال: “اجتنبوا الخمر فإنّها أم الخبائث، إنّما كان رجل ممن خلا قبلكم متعبّد عابد زاهد تعلّقت به امرأة غويّة عشقته وأحبّته والعياذ بالله (امرأة غوية معروفة بالفاحشة والزنا) فأرسلت إليه جاريتها قالت له إنّا ندعوك للشهادة [في عنا قضية بدك تأتي لكي تشهد فيها] فانطلق مع الجارية، فلمّا دخل عليهم حيث أدخلوه كلّما دخل بابا أغلقوا مِن خلفه حتى وصل عند تلك المرأة وعندها من يعينها من أهل الباطل قالوا له: إمّا أن تزني بهذه المرأة، وإمّا أن تقتل هذا الولد، وإمّا أن تشرب خمرا، فكّر الرجل [أزني بامرأة لا تحل لي؟ معاذ الله! أقتل النفس التي حرّم الله؟ معاذ الله! فقال: أشرب، فشرب الكأس الأولى، فأتبع بالثانية، فغاب عقله، فزنى بالمرأة وقتل الولد، والعياذ بالله. والحديث صحيح رواه النسائي.

إنّها أمّ الخبائث. ألم تسمعوا من قريب بمن قتل زوجته لأنّه تعاطى الحب ولم يدرك ما حوله؟! ألم تسمعوا والعياذ بالله بما وصلنا إلى المحاكم بمن يزني بمحارمه وهو قد غاب وهو يتعاطى هذه الحبوب؟! إنّها أمّ الخبائث -أيّها السادة- تروج بين شبابنا وتروج بين رجالنا.

رحم الله الإمام ابن القيم قال: كبيرة من كبائر الذنوب، أمّ الخبائث ومفتاح كلّ شرّ تغتال العقل وتستنزف المال وتصدع الرأسّ كريهة المذاقّ رجس من عمل الشيطان.

رجسٌ من عمل الشيطان -أيُّها السادة، نعم -أيُّها الأحبَّة- إنَّها الخمر وما أدراك ما الخمر؟!! إنَّها الخمر -أيُّها الأحبَّة- رجس، نجاسة من عمل الشيطان، يشربها ابن آدم ويتعاطاها ابن آدم، تسوّد مستقبله وتدمّر أسرته وتهلِكُ ماله وتُضعِفُ بدنه، وتخزيه في حياته، وتكشف سِرّه وتفضح سِتره، فينطقُ بما يجب ألا ينطق، لذلك والعياذ بالله كانت أمّ الشرور وكانت أمّ البلايا وكانت -أيُّها السادة- أمّ الخبائث توقع العداوة في المجتمع وتدفع الناس لأن يقتل بعضهم بعضا، تدعوهم إلى الزنا، تُذهِب الغَيرة وتُورِث الأحقاد، تُورِث الخزي والندامة وتُلحِق متعاطيها بالسفهاء والمجانين، تُذهِب عقله فيغدو بملء إرادته سفيهًا مجنونا والعياذ بالله، تُهوِّنُ عليه ارتكاب القبائح وتُهوِّن عليه ارتكاب المآثم وتُسلِبه نعمته وتُدمِّر عليه حياته -أيُّها الأحبِّة- مفتاح من مفاتيح الشرور، لذلك لعن الله تعالى كلّ من شارك فيها، وكلّ من باعها، وكلّ من صنعها وكلّ من روّجها، وفي هذا يقول رسول -صلّى الله عليه وسلّم: “لعنَ الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومُبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها”. [صحيح، رواه أبو داود]، كلّ أولئك، وقد قلنا أنّ الخمر هو كلّ ما يُخامِر العقل، حبوب مخدرة، بودرة، إبر مخدرة، مشروبات مُخدِّرة، كلّ تلك لعن الله فيها عشرًا، لعن الله الصانِع والعاصِر والبائع والمبتاع والحامل والمحمولة إليه وآكل ثمنها -أيُّها الأحبَّة- وأضيف إلى تلك العشرة الحكومات والسُلطات والجماعات التي تسمح ببيعها وبترويجها في بلاد المسلمين، ألا أخزاهم الله وأبدلَ الله المسلمين خيرا منهم.

كُلّ هذه المفاسد -أيُّها الأحبَّة- جمعت في حبّة قد يدفعك الفضول لتجريبها، أو قد يدفعك صاحب سوء لكي تجربها فتندَم ولات ساعة مندم.

خمرُ هذا الزمان الرائج الحبوب المخدّرة والمفتّرة، هذه الحبوب، هذه السموم القاتلة تدمّر البدن والعافية، سرطان المعدة، التهاب الكبِد، جحوظُ العينين، التهابُ الأعصاب، ارتجاف الأطراف، ضعف القدرة الجِنسية، وغيرها كثير من البلايا تنتظر متعاطي الحبوب على اختلاف أنواعها، يُزَهزِهُ في أوّلها، يشعر بالسعادة والنشوة في أوّلها، حتى إذا انقلبت إدمانًا ظهرت عليه أعراضُ هذهِ البلايا والعياذ بالله ليندمَ ولاتَ ساعةَ مندم.

هذه إن تحدّثنا عن شرور البدن فما بالك بالعقل والنفسيّة، وهذه الحبوب المخدّرة من أهم أسباب القلق والاكتئاب والتوتر العصبي والنفسي والانطوائية والعُزلة والشُّعور بالإحباط وانفصام الشخصية، بل كثيرٌ ممن نراهم يتعاطون تلك الحبوب ما يلبث أن يعانوا مِن الهلاوسِ السمعيةِ والبصرية والحسية، يسألُكَ عن أصواتٍ يسمعُها، وفي الحقيقة لا صوت إنّما هي هلاوس مِن تعاطيه تلك الحبوب، يحدّثك عن خيالات يراها وأشباح يشاهدها، إنّما هي هلاوسٌ من تعاطيه لتلك الحبوب، أضف إلى ذلك البلادة وضعف الإدراك والتركيز واضطراب الذاكرة وكثرةَ النسيان، حتى أنّك تراه وهو في أوّل رجولته وشبابه وقد بدأ يُصاب بفقدان الذاكرة عامًا بعد عام، تلك المُخدِّرات -أيُّها السادة- تشلّ إرادة الإنسان وتذهب بعقله وتدفعه والعياذ بالله إلى ارتكاب الموبقات.

رأينا وسمعنا، رأينا وسمعنا عن أولئك المدمنين الذين أضاعوا أموالهم على المخدرات باعوا ممتلكاتهم وختموها ببيع أعراضهم وكرامتهم، نسأل الله الحفظ لذرارينا وذراري المسلمين.

كم شاهدنا في المحاكم شبابا صغارا وشابّات صغيرات انحرفوا في طريق الجريمة والرذيلة بعد أن أدمنوا تلك الحبوب، يهدونها لهم على سبيل الهدية، يا بني، يا أخي، أيُّها الشاب يبدؤون معك على أنَّها هدية، جرب هي أبو فلان… جربها بتكيِّف، يبدؤون معه على سبيل الهديّة مرة تلو مرة حتى إذا غدا مُدمنا يبدؤون بابتزازه؛ فيوجّهونه إلى سرقة مال أبيه ومال أهله حتى إذا عجز وجّهوه لجرائم أخرى لأنّه غدا مدمن ويريد ثمن الحبوب ويريد ثمن المخدّرات والعياذ بالله، تبدأ تلك الطريق معه: سرقة لأبيه، وتمر بسرقة جيرانه وسرِقة ذويه، وتنتهي بالتنازل عن شرفه وكرامته وعرضِه وفي بعض الأحيان تنتهي بالعمالة والخيانة، كثير من العملاء والجواسيس الذين تم الإيقاع بهم تم استدراجهم أوّلا بتعاطي الحبوب والمخدرات.

يبدأ التعاطي بحجّة التجريب، يبدأ التعاطي بدعوة من رفاق السوء، فمروجو المخدّرات يحرصون دائما على الاختلاط بالشبّاب والشابّات ويبدؤون بترويجها…

ويكون أحيانا ضعف الإيمان سببًا لتعاطي هذه الحبوب، بعض الناس -أيُّها الأحبَّة لضعف إيمانه ولقلّة يقينه يقنط من رحمة الله، تأتيه الهموم في هذه الدنيا، تأتيه الكروب، تأتيه الغموم، فيريد أن يهرُب مِن واقعه، بدل أن يسعى ويعمل ويلتجئ إلى الله تعالى وحده تراه يريد أن يهرُب من واقِعه فيبدأ بتعاطي تلك الحبوب لكي ينعزِل عن واقعه، لكي ينعزل عن بيئته، لكي يشعر فيها بالراحة من مشكلات الحياة ومن ضغط الحياة…

بعض الشباب الصغار يعاني من مشكلات أسرية، كثير من الشباب الصغار الذين تفكّكت أسرهم؛ الأب طلق الأم، الأم تزوّجت وأهملت الأولاد، والأب تزوّج امرأة لا ترعى أولاده وهو غائب عن البيت فأتى أولئك الأولاد يعانون من جملة من المشاكل، لا يلبث إلا أن يلفي عليهم رفاق السوء فيرون في تلك المخدّرات مهربا لهم من الإحباط الذي يعيشونه في بيئتهم وفي أسرتهم وفي مجتمعهم.

أيُّها الأحبَّة- والله عندما أحدّثكم عن هذا الأمر فإنّما أحدّثكم عن أمر خطير غدا مستفحلا بشكل فظيع، والله دخلت إحدى القرى فقال لي أحد وجهائها وقد اجتمعت بعدد كبير من الشباب قال لي: “يا شيخ، والله أكثر من نصف الحاضرين يتعاطى الحبوب”، أمر انتشر انتشارا فظيعا مع الانفلات الأمني وتجاهل بعض الجهات المسؤولة لمتابعة موضوع الاتجار بالمخدرات وغدت الآن توفر بأسعار رخيصة لكي يتعاطاها الناس ويدمنوا عليها، لذلك كان من واجبنا جميعا أن نحمي مجتمعنا وأن نحارِب المُخدِّرات ومروّجيها وأوّل تلك الحماية تكون بالتوعية؛ توعية أولادنا في المنازل، توعيتهم في المدارس، توعيتهم في الجوامع، لابدّ أن تنبّه الأولاد وأن تنبّه الزوجات وأن تنبّه البنات لخطورة ذلك، أن تحدّثهم بهذا الكلام الذي حدّثتك إيّاه، لابدّ أن تُخبِر ولدَك وأن تُخبِر ابنتَك بضرورة أن يخبروا آبائهم وأمّهاتهم عندما يشعرون بأي أعراضٍ غريبة، لابدّ أن نطمئن أولادنا لكيلا يخافوا منّا، إذا خاف الولد من أبيه أو أمّه فلن يخبرهم بما يجري من حوله، لابدّ من أي شعر الولد بالطمأنينة لكي يخبرك متى شعر بأي أعراض غريبة، لابدّ من أن تراقب أصحاب أبنائك وبناتك، لابدّ أن تراقب زملائهم ولابدّ أن تراقب من يصاحبون من الأقرباء والأرحام كما الغرباء؛

كثيرٌ من الحالات التي وصلتنا على المحاكم كان بعض من علّم الولد أو علّم البنت على المخدرات ليس رفيق سوء غريب، كان قريبا وأحيانا من الأرحام؛ خاله أو عمه أو ابن عمه أو خالتها أو عمتها كثير من الحالات، أنت كأب وزوجتك في البيت الأمّ مطالبةٌ أن تنتبه على الولد من يصاحب وإن كانت هذه الصحبة من الأرحام والأقارب.

لابدّ أن نساهم جميعا في حماية المجتمع، لابدّ أن نبدأ حربا شعواء على مروّجي المخدرات والمتاجرين بها فقد يكون الفريسة التالية لهم ابني أو ابنُك، ابنتي أو ابنتُك، لابدّ أن نخبر الأمنيات عنهم، متى سمعنا بمن يتعاطى المخدرات أو الحبوب أو يتجر بها، لابدّ أن نبلِّغ عنه، فكلّ متعاطٍ بمراقبته نصل إلى تاجر يبيعه الحبوب.

أيُّها الأحبَّة- عندما نتحدّث عن الاتجار لابدّ أن نتحدّث عن تشديد العقوبة على المتاجرين بها، عندما نذكر حدّ تعاطي المسكر -أيُّها السادة- هذا الحدّ للمتعاطي وليس للتاجر، وحدّ مَن سَكِر كان زمن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن يُجلَد أربعين جلدة، ثم في زمن عُمَر بن الخطاب مع الفتوحات تجرّأ الناس على الحرام فزادها بمحضر من الصحابة إلى ثمانين جلدة وأقرّه الصحابة على ذلك، ومن هنا اجتهد كثير من العلماء وقالوا أنّ هذا ليس بحدّ بل هو مفتوح الباب لتعزير الإمام، إن وجد الحاجة إلى ما هو أشدّ من ذلك فعل، ولذلك ترى في بعض الدول العربية والإسلامية يحكمون على التاجر بالإعدام وهذا تعزيرٌ جائز للإمام على مذهب الإمام مالك لأنّ هذا التاجر ينشر هذه المخدرات لتكون سبب آلاف الجرائم في هذا المجتمع.

عندما نتحدّث -أيُّها السادة- عن هذه الحرب على تُجَّار المخدّرات لا ننكرُ الفضل ولا ننسى أن نشكر بعض الشرفاء من الأمنيات في زماننا ممن تراهم الآن متفرّغين لتعقب تجّار المخدرات ومن يسعون لتدمير شبابنا وبناتنا، ولا ننسى أن نثمّن أيضا دور الجمعيات والمؤسسات التعليمية والدعوية والتربوية والاجتماعية ممن يقومون الآن بحملات التوعية ضد أضرار المخدّرات وضد من يروّجها.

ختاما -أيُّها الأحبَّة- أريد أن أنبهكم لأمرٍ مهم، هذا الشخص الذي ابتُلِي بتعاطي هذه الحبوب أخ مسلم ابتلاه الله بمعصية، نحن نفرِّق بين المدمن المتعاطي وبين التاجر؛ هذا المدمن المتعاطي لابدّ أن نساعده على أن يتخلص من بلائه، وهذا التخلص يحتاج لطبيب، فالامتناع عن المخدّرات ليس كالامتناع عن التدخين، أحيانا قد يحتاج لعلاجات وأدوية لكيلا ينعكس ضررا على صاحبه، إن عرفتَ أخًا لك مُبتَلى بذلك حاول أن تأخذه إلى طبيب نفسي أو طبيب عصبي لكي يصف له الأدوية أو العقاقير المناسبة ولكي يضع له برنامجا للتخلص من هذا البلاء الخبيث الذي ابتلاه الله تعالى به.

ختاما أُكرر وأذّكر. هذا الكلامُ الذي قلته لكم اذهبوا فحدّثوا به أولادكم، وحدّثوا به نسائكم، بل حدّثوا به بناتكم، والله -أيُّها الأحبَّة- إخواننا الذين عملوا في القضاء حدّثوني عن أمور يندى لها الجبين، بنات -بنات عوائل محترمات- سُقن والعياذ بالله إلى الرذيلة وإلى الفاحشة بصديقة كانت تعطيهن الحبوب، تعطيها إيّاها في البداية دون أن تشعر، بالشراب، بالضيافة، بالطعام، حتى تصبح مدمنة فتبتزها والعياذ بالله بعرضها وتسوقها إلى الحرام.

اذهب فحدّث امرأتك وحدّث بناتك وحدّث أولادك فأنت راع وستسأل عن هذه الرعية، حذّرهم من أولئك الوحوش البشرية الموجودين بيننا، من أولئك الخبيثين وأولئك الخبيثات الذين واللواتي يريدون إفساد مجتمعنا.

أسأل الله تعالى أن يصرف عنا وعن أبنائنا وعن ذرارينا وعن أسرنا شرّ الأشرار وكيد الفجّار، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنّه العزيز الغفّار.

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 2 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *