قتال البغاة

مجاهد مأمون ديرانية

روى البيهقي في السنن وابن أبي شيبة في مصنّفه أن علياً رضي الله عنه سُئل عن أهل “الجمل”: أمشركون هم؟ قال: من الشرك فَرّوا. قيل: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: فما هم؟ قال: إخواننا بَغَوا علينا”. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “ثبت عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه لما قاتل أهل الجمل لم يَسْبِ لهم ذرّية ولم يغنَم لهم مالاً ولا أجهز على جريح ولا اتّبع مدبراً ولا قتل أسيراً، وأنه صلّى على قتلى الطائفتين بالجمل وصفّين”.

إذا كان الله تبارك وتعالى قد أوجب قتال الفئة الباغية فإنه لم يرفع عنها صفة الإيمان، فلا يجوز أن يقاتَل البغاةُ من المسلمين كما يقاتَل أعداء الأمة والدين، ومعرفةُ الفرق بين الحالتين من أوجب الواجبات في هذه الأيام العصيبة التي يعيشها جهاد أهل الشام.

إننا نقاتل الأعداء من الكفار والمعتدين لنقتلهم ونغلبهم ونخرجهم من الأرض، أما البغاة من المسلمين فلا يقاتَلون ليُقتَلوا أو يُغلَبوا، إنما يقاتَلون لكفّ بغيهم وحملهم على النزول على حكم الله. وكل نوع من النوعين ينتهي بتحقيق غايته، فلا نتوقف عن قتال الأعداء حتى نغلبهم أو نخرجهم، أما البغاة فيتوقف قتالهم في اللحظة التي يفيئون فيها إلى أمر الله، أي حالما ينزلون عند حكم الإمام، أو حكم جماعة المسلمين إن لم يكن للجماعة إمام (وهذا هو وضعنا الذي نعيش فيه في هذه الأيام).

من هنا تأتي القواعد المهمة التي تحكم قتال البغاة والتي اتفق عليها علماء الأمة، والتي يجب على جميع المقاتلين في سوريا العلم بها والحرص على تطبيقها والحذر من تجاوزها، وهي التي وردت مختصرة عن عليّ رضي الله عنه في حربه مع أصحاب الجمل وصفّين، وأكررها للأهمية مع بعض التفصيل:

1- إذا وضع المقاتلُ من الفئة الباغية سلاحَه فإنه لا يقاتَل ويصبح معصومَ الدم، وإذا اعتزل وترك ساحة القتال فإن تعقّبه لقتاله حرام وهو عندئذ كأي واحد من المسلمين، وإذا اعتدى وبغى وأمكن دفعُ بغيه وعدوانه بأقلّ من القتل فلا يجوز القتل، وإذا استأمن وجب له الأمان.

2- لا يكفَّر المقاتل من الفئة الباغية بقتاله وتثبت له صفة الإيمان بنص القرآن، وإذا أُسِر فإنه يعامَل معامَلة المسلمين، ولا يجوَّع ولا يعطَّش ولا يعذَّب ولا يخوَّف، وإنما يبقى في الأسر حتى يتم الصلح، فإذا تم الصلح فلا يجوز استئسار أحد من البغاة.

3- لا يقاتَل لدفع البغي إلا المقاتِلون من البغاة، أما نساؤهم وأطفالهم ومَن صحبهم من غير المقاتلين فإن قتالهم حرام وقتلهم كبيرة من أكبر الكبائر، ولا يهدَّدون ولا يؤسَرون ولا يجري عليهم شيء من أحكام القتال، وإذا كان أحدٌ منهم في منطقة يسيطر عليها المقاتلون الذين يقاتلون البغاة وجب عليهم تعهدهم بالرعاية والإحسان.

4- جرحى المقاتلين البغاة مسلمون لهم حق العلاج كجرحى من يقاتلهم من سائر المسلمين، لا يجوز إيذاؤهم ولا التقاعس عن علاجهم، فضلاً عن الإجهاز عليهم في ساحة الحرب أو في الأسر، فإنه قتل نفس بغير حق وهو من أكبر الكبائر.

5- أموال البغاة وممتلكاتهم الشخصية محرَّمة على من يقاتلهم، فلا يحل غَنْمها ولا تجوز مصادرتها والاستيلاء عليها، ويخرج من ذلك ما تملكه الجماعة الباغية نفسُها من مال وسلاح تتقوّى به على قتال المسلمين، فهذا يحل الاستيلاء عليه حال القتال، وفي حكمه بعد الصلح تفصيلٌ للعلماء ليس هنا محله.

6- إذا ظفر المسلمون بجثث القتلى من البغاة فإنهم يصلّون عليهم كما يصلّون على قتلاهم ويدفنونهم في مقابر المسلمين سواء بسواء، وللقتلى الحق في توثيق أسمائهم وتصوير وجوههم حتى يعرفهم أهلوهم ولا يبقى خبرهم مجهولاً، فإن الموت تترتب عليه حقوق للأحياء لا تجوز المساهمة في تضييعها.

7- نساء قَتلى البغاة وأطفالهم أمانةٌ في أعناق جماعة المسلمين التي تقاتل الفئة الباغية، وهم أهلٌ للمسلمين وأبناء وأخوات، فيتوجب على الجماعة وجوباً شرعياً وأخلاقياً وإنسانياً توفير الرعاية الكاملة لهم بقَدْر الوسع، من المأوى والغذاء والكساء والدواء، وتوصيلهم إلى مأمنهم وأهليهم بأسرع وقت مستطاع.

=================
مواضيع ذات صلة:
بيان تجمع دعاة الشام بخصوص الاقتتال بين المسلمين (فض النزاعات بين الفصائل المجاهدة)

0

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *