عبثٌ في فَهْمِ أحاديث الفتن يستتبعُ جهلاً في فهم الواقع

عباس شريفة

دأب كثيرٌ من المثقفين وطلابِ العلم على البحث عن تفسيرِ ما يجري لحال الأمّـة في (أحاديث الفتن) وهذا حالنا، كلما عجزنا عن فهم ما يجري التجأنا إلى أحاديث الملاحم، مع أنّ الإغراق في تحليل أحاديث الفتن وإسقاطها على الواقع للبحث عن تفسيرٍ مقنعٍ لما يحدث، له منعكسات خطيرة خصوصا أنّـك عندما تقرأ هذه الأحاديث تجدها متبايِـنَـة الحال.

اولا يجب أن ندرك أن أحاديث الفتن ما هو صحيح السند منها غير صريح في المعنى وما كان صريحاً في المعنى لا يصح سنداً
والواقف على ظاهره يخالها متناقضة فيما يبدو له
فمرّة تتحدث عن المسلمين في حالة الوهن والضعف، وأنّ الإسلام سيعود غريباً كما بدأ، وأنّ الفتن أقبلت كقِطعِ الليل المظلم، وأنّ القابض على دينه كالقابض على الجمر، وأنّ عُرى الإسلام سوف تنقُض عروةً عروةً، فنحن بين يدي الساعة وما بقي إلا الدجال، فالموت تحفةٌ لكل مؤمن

ومرّة عن حالة من القوة، وقيام الخلافة الراشدة، ومرّة عن فتح روميّة وبُلوغِ الدين ما بلغ الليلُ والنهارُ…

مما يدلّ على أنّ هذه الأحاديث تبين أنّ الإسلام والمسلمين يسيرون في خط بيانيّ متعرِّجٍ، تارةً يكون مساره إلى الأعلى وتارةً يكون مسارُهُ إلى الأسفل، وليس كما يتصور البعض أنّ الاتجاه هو إلى الهاوية بخطّ مستقيمٍ. أو إلى الأعلى بصعود متواتر

وعُمْدة الفهم لأحاديث الفتن: حديث حذيفة في الصحيحين عن أبي إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول:
“كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عنِ الخيرِ وكنتُ أَسألهُ عنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أن يُدْرِكَنِي، فقلتُ: يا رسول اللَّهِ
إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وشرٍّ فجاءنَا اللَّهُ بهذا الخيرِ فهل بعدَ هذا الخيرِ من شرٍّ، قالَ: نعم، قلتُ: وهل بعد ذلك الشَّرِّ من خيرٍ،
قالَ: نعم وفيهِ دَخَنٌ، قلتُ: وما دَخَنُهُ، قالَ: قومٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعرفُ منهم وتنكِرُ،
قلتُ: فهل بعد ذلك الخير من شرٍّ، قال: نعم، دعاةٌ إلى أبوابِ جهنم من أجابهُم إليها قذفوهُ فيها، قلت: يا رسول اللَّهِ صفهُم لنا، فقال: هم من جلدتِنا ويتكلَّمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك،
قال: تلزمُ جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمامٌ، قال: فاعْتَزِلْ تلك الفرقَ كُلَّهَا ولو أن تَعَضَّ بِأَصْلِ شجرةٍ حتَّى يُدْرِكَكَ الموتُ وأنتَ على ذلكَ”

ففي الحديث بيان حقيقة أنّ المسلمين يمرُّون في تاريخهم في مراحل إدبار تتلوها مراحل إقبال والاسلام يمر بين مد وجزر، وهذا كله وِفقَ سُنَنٍ ثابتةٍ لا تجامل ولا تنخرِمُ.

وليست القضيّـةُ حظوظاً عمياءَ وخبطَ عشواء وبالقفز على الأسباب والسُّـنن والمُغالبة. في اسقاط بعض احاديث الفتن على بعض الواقع
فصارت قِراءتُـنا لأحاديث الفتن أشبه بالشعوذة الفكرية ومحاولة التكهُّـن بالغيب. عندما نعجز عن فهم واقعنا دون وضعها في مسارها الصحيح وتميز الثابت منها مما لم يثبت أو صريح المعنى من غيره، فصارت كثيرٌ من الجماعات تستدل على صحة مسلكها بإنزال أحاديثِ الغيبِ والفتنِ على جماعتها. وتخلط بين الامر القدري الذي لا يلزمنا طلبه و وبين الامر الشرعي الذي يأمرنا عكس ما تقتضه الاقدار

قطوف من كتاب الفقه الحركي – بقلم: عباس أبو تيم شريفة.

〰〰〰〰〰〰
* ‫#‏جوال_دعاة_الشام‬ *

0

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *