فضائل يوم عرفة والاستعداد لعيد الأضحى

خطبة الجمعة - فضائل يوم عرفة والاستعداد لعيد الأضحى

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

فضائل يوم عرفة
والاستعداد لعيد الأضحى

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 27 دقيقة.

التاريخ: 6/ذو الحجة/1439هـ
الموافق: 17/آب/2018م

  • 🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:

  1. 1️⃣ مشهدُ عرفة ومعانيه.

  2. 2️⃣ فضائل يوم عرفة.

  3. 3️⃣ الدعاء والصيام يوم عرفة.

  4. 4️⃣ ليلة العيد.

  5. 5️⃣ سُنن يوم العيد.

  • 🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة االثانية:

  1. 6️⃣ أحكام الأضحية.

  2. 7️⃣ التكبير المُطلَق والمُقيَّد.

  3. 8️⃣ فضل يوم الجُمُعة في عشرِ ذي الحِجَّة.

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخُطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمَالنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه وخليلُه، أرسله ربُّه بالهدى ودينِ الحَقِّ ليُظهره على الدين كلِّه ولو كرِه المُشرِكون، فصلواتُ ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبِين الطاهِرين، وأصحابِه الغُرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربِهم واهتدى بِهُداهم إلى يوم الدين…

أمَّا بعدُ إخوة الإيمان؛ يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) [المائدة:3].

في البخاري ومسلم، أنَّ رجُلًا من اليهود أتى إلى عمر بن الخطاب، في هذه الآية فقال: يا أَميرَ المؤمنين، آيةٌ في كتابكم تقرؤونها  لو علينا نزَلتْ – مَعْشَرَ اليهود – لاتخذنا ذلك اليومَ عيدا، قال : فأَيُّ آية ؟ قال: (( اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دينَكُمْ وأتممتُ عليكم نعمتي، ورضِيتُ لكم الإسلامَ دينا ))، فقال عمر: إِنِّي لأعْلَمُ اليومَ الذي نزَلتْ فيه، والمكانَ الذي نزلت فيه: نزلت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعرفات، في يوم جمعةٍ.

يوم عرفات – أيُّها الأحبَّة – يوم إكمال الدين وتمام النِّعمة، يوم عرفات، يوم الحج الأكبر، يوم أقسم الله تعالى به، والعظيم لا يُقسم إلاّ بعظيم، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: ((وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)) [البروج: 3]. قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ…”؛ [رواه الترمذي وحسنه الألباني].

يوم عرفة هو الوَتْر الذي أقسم الله به في قوله: (( وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر )) [الفجر: 3]، قال ابن عباس: “الشفعُ يوم الأضحى، والوَتْر يوم عرفة”.

يومٌ ومشهدٌ عظيم يُذكِّر الناس بالمشهد العظيم، وبالموقف العظيم يوم القيامَة يوم يقف الناس في صعيدٍ واحد، “يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً” [أي غير مختونين كما خلقهم الله تعالى]، فقالت عائشة الصِّديقة: “يَا رَسُول الله، الرِّجَالُ وَالنِّساءُ جَمِيعاً يَنْظُرُ بَعضُهُمْ إِلَى بَعْض؟!” فقَالَ النبيُّ –صلَّى الله عليه وسلَّم- : “يَا عائِشَةُ ، الأمرُ أشَدُّ مِنْ أنْ يُهِمَّهُمْ ذلِكَ”. [متَّفقٌ عليه].

يقفون يوم القيامة وقد دنت الشمس من رؤوس الخلائق مقدار ميل، فمنهم من يبلغ عرقُه إلى كعبيه ومنهم من يبلغ إلى ساقيه ومنهم من يبلغ إلى وسطه ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا، وفي مُقابِل أولئك من يُظِلُّه الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه. (اللهم اجعلنا ممن تُظِلُّهم في ظِلِّك يوم لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّك).

مشهد عرفة أيها السادة يُذكِّرُ الناس بذلك المشهد الرهيب، فيقبِلون على ربِّهم راغبين راهبين. مشهدُ عرفة ترى الناس جميعًا وقد وقفوا في صعيدٍ واحد، أبيضهم وأسودهم، أحمرهم وأصفرهم، غنيُّهم وفقيرُهم، ملِكُهم ومملوكُهم، وقفوا جميعًا في صعيدٍ واحِد لا يسألون إلا الله، لا يُعظِّمونَ غير الله، لا يسألون أحدًا من الخلق؛ لا ملِكًا ولا حاكِمًا ولا غنيًا ولا مُتسلِّطًا، يقفون بباب الملك العلام، وقفوا بباب الواحِد الديَّان يسألونه وحده لا يشركون معه أحدا، فإذا كان ذلِك من العِباد، كانت العطايا من الله وكانت المغفرة من الله وكانت الرحمات من الله، وقد أخلص الناس وقوفهم وتوحيدهم لله جعلوا تعظيمهم فقط لله، لذلك ففي الحديث الذي أخرجه ابن حِبَّان في صحيحه يقول – روحي فداه -: ((… مَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاجِّينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ)).

فمتى أظهر الصِّغارُ الفاقة والعجز والندم والضعف كان من الكريم الرحيم الكبير المتعال: الرحمة والمغفرة والعطاء وإجابة الدعاء. وفي صحيح الإمام مسلم أنّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ …)).

لذلك كان يوم عرفة يومَ إجابة الدعاء، وقد أخبرنا بذلك نبينا – صلّى الله عليه وسلّم -؛ فقَالَ: ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))؛
[رواه الترمذي وحسنه الألباني] والظاهر – أيُّها الأحبَّة- أنَّ هذا (إجابة الدعاء والفضل) ليس لأهل الموقف فقط، بل مثلُه لعموم المسلمين في شتَّى أصقاع الأرض، ولهذا سنَّ النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – لغير الحاج صيامَ يوم عرفة فقَالَ: ((صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)). وهذا كا وضَّحنا لغيرِ الحاجّ، فالحاجُّ لا يُسنُّ له صيامُ يومِ عرفة، هذا الصيام لمن لم يكتب الله له في عامه الحجّ، يصوم يومَ عرفة، ورسول الله يقول: ((أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)).

فاجتهد أخا الإسلام في أن تصوم يوم عرفة، وبلِّغ أهل بيتك وذكِّرهم بصيام يوم عرفة إن لم يكن لهم عُذرٌ يمنعهم مِن ذلِك.

ولتتفرغ لاغتنام ذاك اليوم الفضيل بالذِّكر بالتسبيح والتحميد والتكبير وقراءةِ القرآن والدعاء والاستغفار… اغتنم هذا اليوم العظيم، وأنت في محلِّك، وأنت في حانوتِك ودُكانِك وعملِك إن لم تستطع التغيب عنه يومها، اشغل لسانك بذِكر الله، اشغل لسانك بالتكبير والتحميد والتهليل، اشغل لسانك بالإكثار من الدعاء، فخير الدعاء دعاءُ يومِ عرفة، ادع لنفسك ولزوجتِك ولبنيك ادعُ لأهلِك ولأمِّك ولأبيك ولسائر للمسلمين… اغتنِم هذا اليوم وجدد التوبة والإنابة واسأل الله القبول.

إياك أخا الإسلام أن تُضيع يوم عرفة في الأسواق، حاول أن تؤمِّنَ ما يلزمُك في عيدِك قبل يوم عرفة لتتفرغ في هذا اليوم العظيم لمزيدٍ مِنَ العبادة سائلًا المولى تبارك وتعالى العفو والمغفرة والقبول.

ولتسعَ أخا الإسلام بعد يومِ عرفة لقيام ما أمكن مِن ليلة العيد فقد ورد بأنّها من ليالي إجابة الدعاء، فلتكثر من الدعاء والإلحاح على الله تعالى بأن يُعجِّل لنا الفرج وأن يكشف عنّا الضُرّ ويرفَعَ البلاءَ والغلاءَ وكيدَ الأعداء، إنّه سميعٌ قريبٌ مجيب.

وأذكِّرُكم إخوة الإيمان بأن لا تفوِّتوا صلاة العيد وهي ستقام في مسجدنا هذا -إن شاء الله تعالى- بعد طلوع الشمس بثلثِ ساعة، وصلاة العيد واجبةٌ على الأصح على من تجب عليهم صلاة الجمُعة، أمرَ بها رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – بل أمر أيضًا أن تخرُج لها النساءَ، قال حتى العواتِق وذواتِ الخدور يشهدن دعاء الخير ودعوةَ المسلمين، ولذلك استحبَّ جماهير العلماء خروج النساء والوِلدان إلى صلاة العيد، أمَّا الحيَّض منهنَّ فيعتزلنَ مصلَّانا لأنَّه في المسجد.

فحريٌّ بنا –أيها الأحبَّة- أن نخرج إلى صلاة العيد رجالًا ونساءً صغارًا وكبارًا، تعبُّدا لله عزَّ وجل، وامتثالًا لأمر رسوله – صلّى الله عليه وسلّم – وابتغاءً للخير.

فليخرج الرجال مُتنظِّفين مُتطيبين لابسين أحسن ثيابهم، وليبلِّغ الرجالُ نساءَهُم بأنّ طالبة الرحمة والقبولَ من الله حريٌّ بها أن تخرج إلى صلاة العيد وغيرها، بلباسٍ خالٍ من المخالفة لشرع الله، فتتحرى الخروج بحشمةٍ من غيرِ تبرُّجٍ ولا طيبٍ ولا زينة.

لا تحرموا النساء والولدان الفرحة بصلاة العيد، ولكن مروهم بالالتزام بما يرضي الله، فكم في ذاك المصلّى من خيرات تنزل، ومن جوائزَ من الربِّ الكريم تَحصُل ودعواتٍ طيبات تُرفَعُ وتُقبَل، ومصلّى النِّساء في مسجدنا مفتوح لذلك بعون الله.

ولقد كان رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم – يتعاهد أموراً في العيد، داوم عليها ونقلها عنه صحابته، حري بالمسلم أن يتأسى فيها بنبيه فبالإضافة لما ذكرنا من الاغتسال والتطيُّبِ ولِبس الحسَن، يُبادِر الناس بالخروج إلى المُصلّى مُكبِّرينَ من بعد صلاة الصبح ليحصل له الدنو من الإمام وانتظار الصلاة، فالمُسلِم في صلاة ما انتظر الصلاة.

ومن السُّنّة أيضًا أن يأتي المُصلِّي للمسجد من طريق وأن يعود من طريق آخر، فهذه الخطوات مشهودةٌ مأجورة، ومن السُّنّةِ أيضًا أنه في عيد الأضحى يؤخِّرُ الأكل حتى يفرغ من صلاة العيد، ومن استطاع أن يُضحّي فالسُّنّة أن لا يأكل حتى يَطْعَمَ من أضحيته.

أعاننا الله وإياكم على الطاعات والقُربات، وثبَّتنا على صراطِ الحقِّ المستقيم حتَّى الممات، اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا في كلِّ خير، واجعل الموت راحةً لنا من كلِّ شر…. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المُستغفرين.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله، خيرُ الوصايا وصيّةُ ربِّ البرايا: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن…

واعلموا عباد الله، أنَّ الأضحيةَ شعيرة من شعائر الإسلام، وسُنة من سُنن الأحكام، قال تعالى: (( فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ)) وهي مشروعة بكتاب الله عزّ وجلّ، وبسنة رسوله وبإجماع المسلمين، قال تعالى: ((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)) [الحج:34]. وقال تعالى: ((لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)) [الحج:37]. أي بشِّر بالخير والأجرِ والرضى والقبول من رزقه الله تعالى فأقام هذه الشعيرة وطبَّق هذِه السُّنَّة مُخلَصَةً لله بغيرِ رياءٍ ولا سُمعة، فالرياء والسمعة بابٌ من أبواب الشِّرك الأصغر يُحبطُ العمل ويُضيعُ الأجر.

واعلموا عباد الله أن للأضحيةِ شروطًا وسُننا، فيشترط في الأضحية أن تبلغ السِّنَّ المُحدَّد شرعاً: (خمس سنين للإبل، وسنتان للبقر، وسنةٌ للمعز وستةُ أشهر للضأن شريطة أن يكون إذا اختلط بمن جاوز السنة لم يُميَّز عنهم).

ومِما يُشترط للأُضحية أن تكون خالية من العيوب، وأن يُضَحى بها في الوقت المحدد شرعاً، وهو من بعد صلاة العيد يوم النَّحر ، إلى قبل غروب شمس رابع يوم من أيام العيد، ومن ذبح قبل الصلاة فإنّها لحمٌ قدَّمه لأهله وليست أضحية؛ لقول رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – : ((مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ)) [البخاريّ].

واعلَموا إخوة الإيمان، أنّ الأضحية الواحدة من الغنم، والسُبُعَ من الإبل والبقر، تُجزِئُ عن الرجل وأهل بيته، فلا يُسن أن يضحي كل واحدٍ مِن أفراد الأسرة عن نفسه، الشاة الواحدة يُضحِّي بها الرجل عنه وعن أهل بيته الذين يعيشون معه ويُنفِقُ عليهم، فلو اشترك سبعة رجالٍ على بقرةٍ أو بعير، فقد أجزأت عنهم وعن عوائلهم جميعًا.

ولكي تكون أضحيتك مرْضيَّةً مقبولة، فالأفضل لك أن تتصدَّق ولو بنزرٍ يسيرٍ منها ولو شئت أكلت أكثرها، لقوله تعالى: ((فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)) [الحج:28]، والمختار أن تقسِمها أثلاثًا، ثلثٌ تهديه لأقربائك وجيرانك، وثلُثٌ تتصدَّق به على الفقراء، وثُلُثٌ تأكل منه أنت وأهل بيتك، وإيَّاك أخا الإسلام أن تُعطي جِلد أضحيتِكَ أُجرةً للجزار، لحديث النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – (( من باع جِلد أضحيته فلا أضحية له)) [رواه الحاكم والبيهقي وحسَّنه الألباني]. وإعطاءُ جلدِ الأُضحية للجزارِ كأجرة هو بمعنى البيع، ولا بأس أن تُهدي للجزار هديةً بعد أن تُعطيه كامِلَ أُجرته، التي كان سيأخُذها فيما لو لم تكن ستُهديهِ شيئًا.

تُعطيه كامِل أجرته وكأنَّك لن تُهدِيَهُ شيئًا، ثُمَّ إن كان حبيبك أو قريبك أو صديقك، أو استحببت أن تُهدِيَه شيئًا تُعطيهِ بعدها، ومن أهدِيَ له جِلدُ أضحية أو غيرُ ذلِك منها فلا حرَج لهذا المهدِي له في أن يبيعَ ما أُهدِيَ له لينتَفِعَ بثمنِه.

أعاننا الله وإياكم على اغتنام هذه المواسِم الفضيلة، ورزقَنا الله وإياكم ما ندخِل به البهجة على نفوس أولادنا وأهلينا بطاعة الله، أكملوا يوم جمعتكم هذا بمزيد ذكرٍ وصلاةٍ على النبيِّ ودعاءٍ قبل المغرب فهي مظنَّةُ ساعة الإجابة، فيومُ الجُمعة يومٌ عظيم وفيه ساعةُ إجابة، وهو في عشرِ ذي الحِجَّة أعظم وأفضل، وفكما قال ابنُ حَجَر – رحِمَهُ الله -: “يوم الجُمعة في [عشرِ ذي الحِجَّة] أفضلُ مِنَ الجمعة في غيره، لاجتماع الفضلَين فيه” [فتح الباري 460/2].

فلنكثِر من التكبير في هذه الأيام، فالتكبيرُ المُطلقُ سنَّةٌ في الأيام العشر في جميع الأوقات من غير تقييد بوقتٍ مُحدَّد، إلى فجر يوم عرفة، فمتى كان يوم عرفة زيدَ على هذا التكبير المُطلَق، تكبيرٌ مقيَّدٌ أدبار الصلوات (أي بعد الصلوات المفروضة وليس بعد الأذان كما هي البِدعةُ في بلادنا) وهذا التكبير المُقيَّد يستمرُّ من فجر يوم عرفة إلى صلاة العصر آخر يومٍ من أيام العيد. وصفته أن نُكرِّرَ ثلاثًا: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).

اللهم تقبَّل منا ما كان صالِحًا وتجاوز وأصلِح مِنَّا ما كان فاسدًا واغفِر لنا وللمسلمين وارزقنا حجَّ بيتك قبل الممات يا رحيم إنِّي داعٍ فأمِّنوا.

0

تقييم المستخدمون: 4.84 ( 4 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *