أقبل رمضان

خطبة الجمعة - أقبل رمضان

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

أقبل رمضان

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 26 دقيقة.

التاريخ: 25/شعبان/1439هـ
الموافق: 11/أيار/2018م

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ آيات الصيام في سورة البقرة.
2️⃣ لماذا فُرِضَ الصيام وعلى مَن
3️⃣ أصحاب الأعذار وأحكامهم.
4️⃣ المُفطِرون المُجاهِرون!!
5️⃣ القرآن والصدقة.
6️⃣ المهجَّرون الذي أوكلناهم إلى منظَّماتٍ تمَّ التضييقُ عليها.
7️⃣ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ.

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة االثانية:
8️⃣ أخلاقنا في رمضان!
9️⃣ حارب شياطين الإنس ولا تتركهم يُفسِدون صومك.

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمَالنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبْدُه ورسولُه، وصفيُّه وخليلُه، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كلِّه ولو كرِه المُشرِكون، فصلواتُ ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيِّبِين الطاهِرين، وأصحابِه الغُرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربِهم واهتدى بِهُداهم إلى يوم الدين، أمّا بعد إخوة الإيمان: بضعة أيامٍ قليلة ونودُّع شهر شعبان لنبدأ شهر رمضان المبارك، ولهذا أحببت اليوم أن نتذاكر سويةً آياتِ الصيام، إذ يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186))) [البقرة:183-184].

آياتٌ كريمة من سورة البقرة، اختصرت لنا كثيرًا مِن قِصَّة شهر الصيام وما فيه وما له… كُتب علينا صيامه، ولسنا أوَّل الأمم التي تصوم، فلا تحسبوه عقابًا لكم، ولا تحسبوه مشقَّةً عليكم، ((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)). لماذا كُتِب؟ ولماذا فُرِض؟

((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))، لتعتادوا التقوى، لتعتادوا مراقبة الله في السرِّ والعلن، فالمرءُ يتشجَّع بمن حولَه، فإذا صامَ الناسُ جميعًا صام معهم فيكونُ ذلك أهون على الإنسان، فتعتاد نفسه رويدًا رويدًا على الانقياد لأمرِ الله، تعتاد نفسه على مراقبة الله، تعتاد نفسه على مخالفة الهوى ومقاومة الشهوات، في هذه الدورة التدريبية القصيرة
((أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ))، يُقلِّلُها الله لنا فهو موسمٍ عظيمٌ من مواسِم الله سرعان ما سينقضي، ففائزٌ مستبشر، وخاسِرٌ محروم، محرومٌ من أدرك رمضان فلم يُغفر له، ولهذا – أيها السادة – كان النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يُبشِّر أصحابه بدخول الشهر الفضيل ليستعدوا له وليعطوه حقه وليعرفوا قدره، فيقول روحي فداه:
“قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ”
[رواه أحمد والبيهقي].

اللهم لا تجعلنا من المحرومين يا ربَّ العالمين.

ثمَّ تُتبعُ الآيات الكريمة: ((فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)).

لأنَّ هذا الدين يُسرٌ ولن يُشاد الدينَ أحدٌ إلا غَلَبَه، بيَّن لنا ربُّنا تبارك وتعالى من يُرخَّصُ لهم الإفطار في رمضان، فذكر المريضَ، أي مريض؟ المريضُ الذي يزيد الصيامُ مرضَهُ وآلامَه، أو يؤخِّرُ الصيامُ شفاءَهُ إذا أفتى له الطبيب المسلم الثقة بلزوم فِطره، فهذه الفتوى من اختصاص الطبيب المسلم الثقة وليست من اختصاص الشيخ.

المريضُ والمسافِرُ والعجوزُ الفاني، ويُلحَق بهم المرأة الحاملُ والمُرضِع إذا خافت على نفسها أو ولدها، والمجاهدُ يوم المعركة إن كان الصيام يُضعِفه؛ فهؤلاء يُفطِرون ويقضون، إلا العجوزَ الفاني ومن يستحيلُ عادةً شفاءُ مرضه فإنَّه يفدي عن كلِّ يومٍ أفطره إطعام مسكين.

يُفطِرون، نعم يُفطِرون لعُذرٍ ولكن لا يُجاهرون، لا وألف لا، لا يُجاهرون تعظيمًا لحُرمات الله، وتعظيمًا لشعائر الله، لا يُجاهِرون ولو أُبيح لهمُ الفِطرُ لأعذارِهم، لكي لا يُساء الظنُّ بهم ولكي لا يُتهموا في دينهم… ولهؤلاء جميًعًا ختَم ربُّنا تبارك وتعالى قوله قائلًا: ((فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) فمن صبَرَ على الصوم مِن أولئك المبتَلِين دون ضرر يصيبه فالصيام أولى وأفضلُ وأجدر لهم جميعًا.

فما بالنا أيَّها السادة ونحن نرى أقوامًا لا يخافون الله، أو لا يقدرون على ضبط نفوسهم ولا على ترويضها، فإذا بهم يُفطِرون سِرًا أو جهرًا في رمضان لغير عُذر، وفي الحديث الذي أخرجه ابن حِبان في صحيحه بسندٍ حسن أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّمَ – أُرِيَ ” قومًا معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دمًا، قال: فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء الذين يُفطرون قبل تَحِلَّة صومهم“.

وشرٌ منهم مكانًا وأضلُّ سبيلا من يُجاهرون بذلك والعياذُ بالله، وفي البخاري ومسلم عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم-  أنه قال: ((كُلُّ أمتي معافى إِلّا المجاهرون)) أعاذنا الله وإياكم مِن المجاهرَة بالمعصية في رمضان وفي غير رمضان أيها الأحبَّة.

شهرُ رمضانَ، شهرُ الصيام والقيام، شهر الصدقة والإحسان والقرآن، ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ))، تُذكِّرُنا الآيات الكريمة بمقام القرآن في شهر رمضان، لنعي كيف أنَّ رمضان هو شهر القرآن، وفي الصحيحين عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: « كَانَ النَّبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ [رمضان، أي حتى ينقضي] يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ».

في كلِّ عام يُخصِّصُ رمضان لمراجعة القرآن ولعرضِ ما نزل من القرآن على جبريل، يعرِضُه عرضةً واحدةً كاملة إلّا عام موتِه – روحي فداه – عرضهُ على جبريل مرَّتين، ولمّا كان هذا شأن النبي وجبريل مع القرآن في رمضان، يعرِض القرآن ويكون أجود من الريح المرسلة، كان هذا شأنَ المؤمنين، كان هذا شأن من يتأسَّى بالنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان هذا شأن الصحابة الكرام والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، يتفرَّغون لمزيدٍ من تلاوةِ وتدبر وتدارُسِ القرآن في رمضان، وهم الذين لم يكن منهم الهجر لكتاب الله، يقرؤون طيلة العام، ويَزيدون ذلك بل يُضاعِفونه في رمضان، ويكونون أجود ما يكونون في رمضان، يُكثِرون الصدقة، يواسون المحتاج والمسكينَ والفقير.

ولعلي – أيُّها السادة – أذكركم بإخوانٍ لكم هُجِّروا ويُهجَّرون، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء تُغرقهم الأمطار والسيول، وقد تقاعست جُلُّ المنظمات عن خدمتهم وإغاثتهم، بعد التضييق الداخلي والخارجِيِّ عليها، تقاعست جُلُّ المنظمات التي تواكلنا عليها ونسينا واجِبنا بأن يواسي بعضُنا بعضًا، تقاعست المنظَّمات وتقاعسنا عن دورنا وواجبنا واكتفينا بإلقاء اللوم على تقصير المنظَّمات، بدل أن يخرُج الناس في استقبالِ مَن جاء مُهجَّرًا إليهم مِن إخوانِهم، كلٌّ منهم يجود بما أنعم الله عليه، أو بما فاض عن حاجته، فلتروا الله منكم ما يُحِب في شهرِ الجودِ والكرَم، شهرِ القرآنِ والصدقةِ والإحسان.

((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186))) [البقرة:183-184].

خُتمت الآياتُ الكريمة، خُتِمت آيات الصيام بالتذكير بعبادةٍ من أعظم العبادات، ألا وهي عبادة الدعاء، دعاءُ الخوفِ والرجاء، الدعاء بخيري الدنيا والآخِرة، يُذكِّرنا المولى سبحانه، لكي لا نغَفل عن سؤاله في هذا الموسم الفضيل.

في مواسِم الرحمات، في وقت الخير العميم، والبركة الكثيرة، لابدَّ للمسلم أن يغتنم بكثرة الدعاء وفي الحديث الحسن الذي أخرجه التِّرمذِي، قال روحي فداه: ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتهم، وذَكرَ منهم الصائم حين يُفطِر.

ما عسُر عليك مِن أمر الدنيا، مِن حالِك ومالِك وعيالِك وما يُحيطُ بِك، اختر أوقات الإجابة وأكثر الدعاء في هذا الشهر الفضيل، وفي الصحيح مما أخرجه ابن ماجه، أن النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم- قال:” إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ“.

في كلِّ ليلة وفي كلِّ فِطرٍ نفطِرُه في رمضان، هناك ساعةُ إجابة وهناكَ عُتقاءُ يُعتِقهُمُ الله مِن النار، فاغتنم أخا الإسلام، اغتنِم موسِمًا قد لا تعيشُ لتاليه، اغتنم شهرَ رمضان وأكثِر الدعاء؛ أكثر الدعاء لنفسِك، أكثِر الدعاء لزوجتِك، أكثِر الدعاء لأولادِك، أكثِر الدعاء لجيرانِك، أكثِر الدعاء لأمَّتِك، أكثِر الدعاء على الظالمين،
ولا تستعظِمنَّ من دعاء ربِّك شيئًا فأنت تدعوا كريمًا عظيمًا قادِرًا مُقتَدِرًا… ولتعلموا بأن الله تعالى ما كان ليُضِيع إيمانكم، وما كان ليُضيع دُعاءكُم، وما الله بغافِلٍ عمَّا تعملون ….  أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عبادَ الله خير الوصايا وصيّةُ ربِّ البَرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]. فاتقوا الله عبادَ الله، فبتقوى الله العِصمة من الفِتن، والسلامةُ مِنَ المِحَن، واعلموا عباد الله أنَّ في الصحيحٌ ممَّا أخرجه أحمد والطبراني عن رسولِ الله
– صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال لنا مُحذِّرًا معلِّمًا: ((رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ)). وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري، يقول – صلواتُ ربِّي وسلامه عليه -: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)).

مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّور، من لم يدَعْ الكذِب، من لم يدع الافتراءَ والتحريشَ بين النَّاسِ، من لم يدع إيقاعَ الفِتَنِ بينهم، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ.

رمضانُ أقبلَ أيُّها السادة، فيا فوز المُحسنين ويا خسارة المُسرِفين، يا خسارة الجاهلين، يا خسارة من توهَّم بأنَّ ثوابَ رمضان يُدرَكُ بمجرَّدِ الإمساك عن الطعامِ والشراب، يا خسارةَ من أدرك رمضان فلم يُغفر له، يا خسارةَ من أدركَ رمضان فلم يجعل مِن رمضان بابًا وسببًا لزرع المودَّة بينه وبين إخوانه، لزرع المحبَّة بينهُ وبين أهلِ بيته، بل جعل رمضان سببًا لقطيعة الرحم، جعَلَ رمضان سببًا للتنافر والشجار والخلافِ بسوء أخلاقِه وضيق صدره؛ وحجَّتُه في ذلك أنّه صائم!!

سيّءُ الخُلق، يُبغِضُ الناسَ ويُبغِضُه الناس، يتشاجر معهم ويُسيءُ إليهم، فإذا سألتهُ تحجَّجَ بأنَّهُ صائم!!

سيّءُ الخُلق، يُبغِضُ الناسَ ويُبغِضُه الناس، يتشاجر معهم ويُسيءُ إليهم، فإذا سألتهُ تحجَّجَ بأنَّهُ صائم، وكأنَّه – والعياذُ بالله – يَمُنّ على الناس صيامه، ويَمُنُّ على اللهِ بصيامه، يتسخَّط بسوء خُلُقِه وتعامله على ما افترضه الله عليه، ينفِّرَ الناس عمّا افترضَهُ الله عليهم، ينفِّرُهم عن دينِ الله، ويكرِّهَهُم بما افترضه الله، بسوء أخلاقِه مُتعذِّرًا بأنَّه صائم!!

ولهذا – أيُّها الأحبَّة – كان من وصيِّة النبيِّ – صلّى الله عليه وسلَّم – أنَّه قال: ((إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ )) [متفقٌ عَلَيْهِ].

((فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ )):  ذكِّر نفسك بصيامِك، ولا تجعل شياطينَ الإنس تستزِلُّك لتُضيع أجرك وصومَك، تجاهل  شياطين الإنس؛ شياطين الجِنِّ مغلولةٌ مصفَّدة فيأتي دورُ شياطين الإنس لتوقِع العداوة والبغضاء بين الناس، ((إنْ سَابَّهُ أحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ ))، ذكِّر نفسَك بصيامِك وخاطِب نفسك قائلًا:
” لن أدع لشيطانِ الإنس هذا فُرصَةً في أن يُضيع أجر صيامي”.

عندما نتحدَّث عن حُسن الخُلُق نتحدَّث عن أصلٍ يرفع مقامك لتكون بجوارِ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يوم القيامة فهو القائل: (( إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ، وَأقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ، أحَاسِنَكُم أخْلاَقاً )) [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن].

فما بالك بفضل ذلك في شهر الصيام، ومع الصائمين وبين الصائمين!

عندما أحدِّثُك عن حُسن الخُلُق أخا الإسلام فلابدَّ من أن أذكِّرك بأنَّ أحقُّ الناس بحسنِ خُلُقك، في رمضانَ وفي غيرِ رمضان، زوجتك وأهلُ بيتك.

ولعلَّ البعض بحجَّة الصيام يُقلِّلون أعمالهم، ويُطيلون المكثَ نهارًا في بيوتهم، فإذا بهم بِحُجَّة صيامِهم وتعبهم ومكثِهم في البيت يتعاملون بسيِّءِ الأخلاق مع زوجاتهم وبنيهم. بحجَّة انقطاعه عن التدخين الخبيث، يُضيعُ أجر صيامِه، يتعامَلُ بسيِّءِ الخُلُق مع زوجتِه وبنيه، يُضيع أحدهم أجرَ صيامِه بسيِّ خُلقه، وإن تظاهر بحسن الخُلق للناس تراه سيِّءَ الخُلق في بيته، ورسول الله – صلى الله عليه وسلَّم – كما في الحديثِ الصحيح الذي رواه التِّرمذي وابن ماجه – يقول لنا مُعلِّمًا: (( خيرُكُم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكُم لأهلِي…)). فليكن خيرُك لأهلِك أوَّلًا، فليكن خيرُك في رمضان لأهل بيتك أوَّلا، لا تشغلهم بالطلبات، بل اشغلهم بالطاعات وشجِّعهم عليها بالمُحفِّزات وحسِّن أخلاقَكَ معهم، ليكون رمضانُ دورةً إيمانيَّة ترتقي بها بنفسِك وبأخلاقِك وبأهلِ بيتِك.

اللهم حسِّن أخلاقنا، وطهِّر قلوبنا، وأصلِح سِرَّنا وعلانيتنا، اللهم بلغنا رمضان وسلِّمنا له وسلِّمهُ لنا، وأعنَّا فيه على الصيام والقيام وغضِّ البصر وحِفظ اللسان، برحمتك يا رحيم يا حنَّانُ يا منَّان … إني داعٍ فأمِّنوا

0

تقييم المستخدمون: 3.36 ( 4 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *