كيف نستعد لرمضان

خطبة الجمعة - كيف نستعد لرمضان

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

كيف نستعد لرمضان

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 28 دقيقة.

التاريخ: 18/شعبان/1439هـ
الموافق: 4/أيار/2018م

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة:
1️⃣ فرح المؤمنين بمواسِم الله.
2️⃣ استعدادات المؤمنين واستعدادات المنافقين قبل رمضان.
3️⃣ إبراء الذمة بقضاء ما فات.
4️⃣ تعلُّم أحكام الصيام وفقهه.
5️⃣ أنه ما استطعت من عملك لتتفرغ.
6️⃣ حذار مِن مُضيِّعاتِ رمضان.
7️⃣ التوبة وإعادة الحقوق.
8️⃣ الصلاة والاستغفار وكثرة السجود.
9️⃣ جهز جدول نشاطات رمضان وتشارك فيه مع زوجتك وبنيك، وأقم لهم نشاطات إيمانية فيها جوائز تحفيزية ليعتاد عيالك على الطاعة.
🔟 رمضان فرصة لتتخلص من كثير من العادات السيئة كالتدخين.

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمَالنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه وخليلُه، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كلِّه ولو كرِه المُشرِكون، فصلواتُ ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيِّبِين الطاهِرين، وأصحابِه الغُرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربِهم واهتدى بِهُداهم إلى يوم الدين، أمّا بعد إخوة الإيمان يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ((قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ))

الحمد لله الذي أنعم وأكرم وأمر بالفرِح بنعمِه الظاهِرة والباطنة، فرحًا يُقرِّب الإنسان من مولاه، وينزع من قلبه اللجوء إلى من سواه؛ واليوم أيَّها السادة وقد انقضى ثُلثا شهر شعبان فإننا لنفرَح، وإنَّا لنستبشِر ونسعدُ ونتهلَّلُ لقدوم شهر رَمضان، فمحبَّة الأعمال الصالحة والاستبشار بها فَرع عن محبة الله عز وجل عند المؤمنين, قال تعالى: ((وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)). هم يستبشرون ويفرحون بما أولاهم الله به من النِّعمِ الظاهِرة والباطِنة، ومنها ما خصَّهم الله به مِن مواسِم الطاعة والعِبادة… ولكن كيف يكون الفرح وكيف تكون البشارة؟ كيف يكون الفرحُ بمواسِم الله؟!
أيكون ذلك فقط بإرسال الرسائل والبطاقات والأناشيد للأصدقاء والخِلان، أم أنَّ هناك أمورًا أخرى لازِمةً مطلوبة.

في هذا أنقُل لكم أيها الأحِبَّة ما أخرجه الإمام أحمد في مُسندِه وابن خُزيمة في صحيحه وصححه الشيخ أحمد شاكِر –رحمهُ الله – عن أبي هُرَيْرَةَ– رضيَ الله عنه – قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :
“أَظَلَّكُمْ شَهْرُكُمْ هَذَا [ يقصِد شهر رمضان ] ، بِمَحْلُوفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ أي يحلِف رسول الله على ذلك ] مَا مَرَّ بِالْمُسْلِمِينَ شَهْرٌ قَطُّ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْهُ، وَمَا مَرَّ بِالْمُنَافِقِينَ شَهْرٌ قَطُّ أَشَرُّ لَهُمْ مِنْهُ، بِمَحْلُوفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيَكْتُبُ أَجْرَهُ وَنَوَافِلَهُ وَيَكْتُبُ إِصْرَهُ وَشَقَاءَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُدْخِلَهُ، [ أي قبل أن يدخل رمضانُ يُكتب الشقي المحروم والمؤمن المأجور..] وَذَاكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يُعِدُّ فِيهِ الْقُوَّةَ مِنْ النَّفَقَةِ لِلْعِبَادَةِ، وَيُعِدُّ فِيهِ الْمُنَافِقُ ابْتِغَاءَ غَفَلَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَوْرَاتِهِمْ، فَهُوَ غُنْمٌ لِلْمُؤْمِنِ يَغْتَنِمُهُ الْفَاجِرُ”.

لاحظوا أيها الأحبَّة كيف يحدِّثنا النبي – صلَّى الله عليه وسَّم – عمَّن يكتب الله لهم أجر رمضان قبل دخولِه، لأنَّهم يستعدون له، لأنَّهم يستعدون للطاعة فيه، ومنهم من يكتب عليهم الإصر قبل دخوله، لأنهم يستعدون للمعاصي وللتقصير فيه، غُنمٌ للمؤمن، وغُرمٌ للفاجِر؛ يغتنمه المؤمن بالطاعات ويستعدُّ لها، ويغتنمه الفاجِر بالفجور والمعاصي ويستعِد لها، يستعد لمتابعة المسلسلات والأفلام والسهرات والأراكيل واللقاءات التافهة، بل ويُخطط لها من الآن… بحجَّة أنه سيُسلِّي صيامه، والأدقُّ أن نقول بأنَّه سيُسلي جوعه، فكم مِن صائمٍ ليس له مِن صيامِه إلا الجُوعُ والعَطَش.

الحديث الذي نقلنا أيُّها السادة الكرام، يُحدِّثنا عن فضل وثوابِ وتميُّز من يستعدُّ لرمضان لينالَ ويَغنَمَ، ويُحسِنَ ويتطوَّر، لذلك كان الصحابة الكِرام يقضون رجب وشعبان بالاستعداد لرمضان، ولذلك – أيُّها الأحبَّة – أحببت أن يكون لقاؤنا اليوم للحديث عن خطواتٍ عملية تطبيقيَّة نستعدُّ بها لقدوم شهر رمضان، فمن وُعِد بزيارة ضيفٍ عزيزٍ عظيمٍ كريم، استعدَّ له قبل حين، فإذا حضَر الضيف كانت الأمور مرتَّبةً لاستثمار زيارة الضيف الكريم فلا ننشغل عنه بشيء أبدًا.

فكيف إذن يجب أن يكون حالنا مع ضيفٍ وشهرٍ ننتظره طيلة العام، كيف يجب أن يكون استعدادنا وكيف يجب أن يكون تخطيطنا لرمضان الذي وصفه الله تعالى قائلًا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)) [البقرة:183-184]، أيامًا معدودات يُقلِّلُها الله لنا،
دقائق معدودة، أنفاسٌ سرعان ما تمضي، كحال كلِّ جميلٍ في الدنيا سرعان ما يمضي وينقضي…

أسألك أخا الإسلام: كم فقدنا مِن إخواننا وأحبابنا قبل رمضان؟ ما يُدريك فلعل رمضان القادم – إن أحيانا الله تعالى له – قد يكون رمضانَك الأخير، فلنبدأ بالاستعداد، ولنبدأ بالتجهيز، ولنبدأ بالتفرُّغ لهذا الضيف العزيز، لتحقيق أكبر قدْرٍ من الإنجاز فيه.

الاستعداد الذي نتحدث عنه أيها الأحبَّة ليس استعداد الجاهلين، ليس الاستعدادَ لمزيدٍ من الإسراف، لمزيدٍ من الهدرِ في الطعامِ والشراب، الاستعداد لرمضان لا يكون بشغل عيالك عن العبادة بقضاء الساعات الطويلة في المطابِخ وكأن رمضان شهر الأكل والشُرب والتسلية!!

تقول المرأة لزوجِها، انزل إلى السوق لنستعدَّ لرمضان، يستعدون بشراء الكمِّيات الكبيرة من الطعامِ والشراب، تجهيزا للإسراف والتبذير!!

إنه شهر الصيام أيُّها الناس، ليس شهر الإسرافِ، ولا شهرَ التبذير، شهرُ العبادةِ والطاعة، فليكن استعدادنا لرمضان استعداد المؤمنين العامِلين.

إذا أردنا أن نتفكَّر سويًّا أيها الأحبَّة: كيف يكون استعداد المؤمنين العاملين لرمضان؟

فأقول لكم: أول ما يكون الاستعداد لرمضان، بتعلُّم أحكامه والسؤال عنها، فالجاهِل لا يُعذَر بجهله في ديار الإسلام، اسأل عن أحكام الصيام، وتعلَّمها، ليس هذا فحسب، بل علِّمها لزوجتِك وعلِّمها لبنيك فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته، فأنت مسؤولٌ عن تعليمهم ما يُصلِحُ دينهم.

أيُعقَل – أيُّها السادة – أيُعقَل – أيُّها الأحبَّة –  أن ينتظِر البعض حتى إذا انتصف الشهر الفضيل أو مضت منه بضعة أيام أتانا يسأل عن أحكام الصيام بعد أن يكون قد وقع في المحظور!! أيُعقل أن ينتظِر بعضُ الدعاة والمشايخ دخولَ رمضان حتَّى يُعلِّموا الناس أحكام الصيام!

كيف يكون الاستعداد لرمضان إن لم يكن أول الأمر بتعلُّمِ أحكام رمضان وأحكام الصيام قبل دخول الشهر؟!

ومِن تعلُّمِ أحكام الصيام – أيها السادة – لابدَّ أن نعلَم أهمِّية إبراء الذِّمة من قضاء ما فات بعُذرٍ من رمضان الماضي قبل دخولِ رمضان القادِم، ولقد نبَّهنا ونكرر أهمِّية أن تذكِّروا نساءكم في البيوت بقضاء ما فاتهم من رمضان السالف قبل دخول رمضان القادم، وفي هذا تقول أم المؤمنين عائشة الصِّديقة – رضي الله عنها – :
«كانَ يكونُ عليَّ الصومُ مِنْ رمضانَ، فما أستطيعُ أن أقضيَ إِلا في شعبانَ، وذلك لمكانِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-». [رواه البخاري ومُسلم].

ولهذا عند جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) من أخَّر قضاء رمضان الفائت من غير عُذرٍ إلى ما بعد رمضان الذي يليه، فعليه القضاء وإطعامُ مسكينٍ عن كل يوم، زجرًا وعقوبةً له على تقصيره.

فلتذكِّروا النساء ولتذكِّروا المجاهدين الذين أفطروا بسبب المعارك في رمضانَ الفائت، فليتداركوا بالقضاء فيما بقي من شعبان قبل دخول الشهر الكريم.

إذن أيها الأحبَّة، الاستعداد لرمضان بإبراء الذِّمة، وبتعلُّمِ أحكام الصيام، ثم بعد ذلك يكون من الاستعداد لشهر رمضان، أن تُنهي وتُنجِزَ ما استطعت من أعمالك وأشغالك التي يُمكِن إنجازها قبل رمضان، لتقلِّل الخِلطة بالناس في رمضان قدر المُستطاع، كثيرٌ من الرجال والنساء يُضيعون أوقات رمضانَ الثمينة ودقائقه التي لا تُعوَّض في اللهو، يضيعونه باللقاء مع الناس، يضيعونه في الأسواق وما شابه ذلك، بل كثيرٌ من المسلمين يُضيعون العَشر الأواخِر التي كان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يعتكف فيها للعبادة، يضيعونها في الأسواق بحجَّة شراء أغراضِ العيد للأطفال، ألا يمكن أن تفعل ذلك الآن قبل دخول شهر رمضان، لكي تغتنم مواسِم الله بالعبادة والطاعة؟! ألا يُمكِن أن تستثمر وقتك في رمضان بأن تشتري حاجياتك الآن قبل رمضان، شهر الرحمة والمغفِرة والعِتق من النيران. والله لا يفعل ذلك إلا جاهلٌ مسكين يفوِّت على نفسِه خيرًا عظيمًا.

عندما أحدثك أخا الإسلام عن تقليل الاختلاط بالناس في مواسِم العبادة فأنا أحدِّثك عن أمرٍ مُهم تحقِّقُ به عظيم الغُنم، في رمضان قلل الاختلاط بالناس لغير حاجة، فكثرة الاختلاط بالناس لغير حاجة، تشغل النفس وتشتت الروح وتقسِّي القلب… فإياك فإياك ومُضيِّعاتِ رمضان: (تُضيِّع رمضان بالانشغال بالناس، تضيّعُ رمضان في الأسواق – تضيّعُ رمضان بالنوم الكثير – تضيّعُ رمضان على التلفاز- تضيّعُ رمضان على الجوال – تضيّعُ رمضان بجلسات الحديث الفارِغة مع الفارِغين – تضيّعُ رمضان بسهرات اللهو مع الغافِلين …) كلُّ هذا ابدأ بتقليله من الآن حتى إذا دخل رمضان كُنت معتادًا على ذلك.

خصِّص لنفسك مثَلا وقتا محددا يسيرا تفتح فيه برامج التواصُل ولا تفتحها في غيره … فكثير من الشباب والشابات يضيعون الوقت، ويهدرون الساعات الطويلة على غرف الوتس أب وعلى صفحات الفيسبوك، خصِّص وقتًا يسيرا محددا افتحها فيه وجاهد نفسك أن لا تنشغل بها في غيره، فهي من شرِّ ما يُشتِّت الذِّهن ويشغَلُ النفس عمومًا فما بالك بمثل هذه الأوقات الفاضِلة التي يجِب أن تُستثمَر كلُّ ثانيةٍ فيها، عود نفسك على ذلك من الآن ليسهُل عليك الأمر في رمضان.

إذا قللت الخُلطة بالناس، كان ذلك عونا لك على الإقبال على إصلاح النفس وتهذيبها؛ أقول لك: قلل الخلطة بالناس، لتختلي وتنشَغِلَ بالقُربات والطاعات، لا أتحدَّث عن الخلوة الفارغة للنفس مع شياطينها.

وأول ما تبدأ به إصلاح نفسِك – أخا الإسلام – التوبة والندم على ما سلف من المعاصي، واتخاذ القرار والعزم على أن لا يمُر رمضان إلا وقد أقلعت عن ذنبك، خاطب نفسَكَ، قل لنفسِك: أيًا كان خطئي ومهما عَظُمَ ذنبي سيعينني الله على تركه (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) [الزمر:53].

حاسب نفسك، واكتب قائمةً بذنوبٍ ستتوبُ منها وستحاسِبُ نفْسَك عليها، استغِلَّ دورة رمضانَ لتتخلص من كثيرٍ من المعاصي والذنوب… اكتُب على ورقة وحاسِب نفسك قبل أن تُحاسَب، حاسِب نفسك قبل أن يأتي يوم يقال لك: ((اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)) [الإسراء:14].

أعلِن الحرب على شياطينِ الإنس والجِن، واستغِلَّ أن شياطين الجِنِّ مُسلسَلةٌ محبوسةٌ في رمضان، وليكن من أهدافِك التي تُكثِر التفكير فيها، أن تكون مِن المُعتَقين مِن النار، فرمضان شهر العتق من النار.

أسألُكم بالله، أسألُك بالله أخا الإسلام: متى كانت آخرَ مرَّةٍ سألت الله فيها الجنَّة وتعوَّذتَ من النار، وأنت تتفكر بعقلِك وقلبِك في حال أهل الجنة وفي حال أهل النار متدبِّرًا خائفًا راجيًا؟؟

كثيرٌ مِنَّا الناس يُسبِّحُ بعد صلاتِه، (اللهم إني أسألُك رضاك والجنَّة، اللهم إني أعوذُ بك من سخطِك ومِن النَّار) … ولكني أتحدَّث عن سؤالٍ لله الجنَّة، واستعاذةٍ من النَّار، بحيث تسألُ وتستعيذُ وأنت تتفكَّرُ، حاضِرَ العقلِ والقلب في حال أهل الجنَّة وفي عذاب أهل النار.

كثيرٌ منّا يدعون الله بالعاجل ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وينسون الدعاء وآتنا في الآخِرة حسنة؛ ينسون السؤال بالجنَّة، ينسون الاستعاذة من النار.

إن اتخذت القرار بالحرب على الشيطان، وبالعزيمة على التوبة، فإنَّ من أهم شروط التوبة أن تستسمِح ممن ظلمتهم، وأن تُعيد لهم حقوقهم، فحقُّ الله مُسامحٌ فيه مغفورٌ بالتوبة، أما حقُّ العبادِ فلا مغفِرةَ حتى يُعادا لحقُّ إلى أصحابِه أو أن يعفوا ويسامحوا.

فليكن رمضان –أيها الأحبَّة – فرصةً لنفتحِ صفحةٍ جديدةٍ مع الله، وفرصةً لنفتحِ صفحةٍ جديدةٍ مع عِبادِ الله، و فرصةً لنفتحِ صفحةٍ جديدةٍ مع أنفُسِنا.

مع الله، بالتوبة والإنابة، ومع عباد الله، بإعادة الحقوق وجبرِ الخواطِر والعفو عن المقصِّرين وصلة الأرحام وزيارةِ الصالحين وتنقية القلب من آثارِ الغِلِّ على المُسلمين، وأمَّا الصفحة الجديدة مع النفس فباستثمار الخلوات، وما أنفعَ الخَلواتِ للصالحين.

عندما نتحدَّث عن نشاطات رمضان، وعن خلواتِ الصالِحين، وعن الاستعداد لها من اليوم، فنحن نتحدَّث عن خلوة من يتفكَّر بأوامِر الله لتكون خلوَتُه دافعًا له إلى فعل الخيرات، والانزجار عن المُنكرات … نتحدَّث عن خلوةٍ يجتهدُ فيها المؤمن بالصلاة والاستغفار وكثرةِ السجود، يجتهدُ فيها المؤمن بالدعاءٍ والذِكر وتلاوة القرآن.

نتحدَّث عن مؤمنٍ عاملٍ يُخطِّط لرمضان، نتحدَّث عن مؤمنٍ لمّا عرَف قَدر رمضان ولما فهِم أهمِّية استثمار رمضان، وضع لنفسه خُطَّةً لذلك، بل وضع لنفسِه برنامجًا كتبه ورتَّبه، ليغتنم وقته في إنجاز أكبر قدرٍ من النوافِل، من الصلاة، مِن الصدقات، من تدبُّر وفهم القرآن، ومن المناجاة والدعاء.

أما الصلاة فقد قلتها أول الأمر، لكي أذكِّر نفسي وإياكم بأنَّ الصلاة رأس الأمر، ففي الحديث الصحيح الذي رواه التِّرمذي، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلَّم – أنه قال: ((إنَّ أَوَّلَ ما يُحاسَبُ به العبد يوم القيامة من عَمَلِهِ: صلاَتُهُ ، فإن صَلَحتْ ، فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدَتْ ، فقد خاب وخسر … )).

فما بالكم بصائمين يقضون النهار نيامًا يُضيعون الصلوات بحجَّة أنهم لا يصبرون على جوعِهم فينشغلون بالنوم، ويُضيعون نهار رمضان وأوقاته الثمينة بالنوم، بل ويُضيعون الصلوات!! ورسول الله خبَّرك أيها الإنسان: ((إنَّ أَوَّلَ ما يُحاسَبُ به العبد يوم القيامة من عَمَلِهِ: صلاَتُهُ، فإن صَلَحتْ، فقد أفلح وأنجح، وإن فسدَتْ، فقد خاب وخسر…)).

يُضاف إلى المحافظة على الصلاة في جماعة كثرةُ الاستغفار، (( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً)) [ النساء :110 ] وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : قال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَرَزَقهُ مِنْ حَيثُ لاَ يَحْتَسِبُ)).

يا صاحب الهم، يا مَن ضاق صدرُه بالغم، عليك بكثرة الاستغفار، وأكثِر منه في هذه الأيام المباركة، أكثِر منه في رمضان.

أكثر الاستغفار وأكثِر السجود ولن تندم، ففي صحيح الإمام مُسلم عن رسول الله – صلى الله عليه وسلَّم – أنه قال: (( أقْرَبُ مَا يكونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأكْثِرُوا الدُّعَاءَ )) لذلك فمن استعدادك لرمضان أن تحفظ وتكتب وتسجِّل دعواتِك لكي تتذكرها في دعائك وفي خلواتِك، وإياك أن تُغفِل شيئا أو أن تستعظِمَ شيئًا، فأنت تسألُ ربًّا عظيمًا كريمًا رحيمًا قادِرًا مُقتَدِرًا لا يُعجِزُه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماء… لا تستعظِم شيئًا واسأل الله كلَّ ما بنفسك، وأضِف إلى ما ذكرنا، أن تتوب إلى الله عما حصل منك من هجرٍ لكتاب الله، فابدأ من الآن بإكثار النظر في القرآن، وخصِّص لذلك وقتًا محددا للتلاوة والتدبُّر، وأثبت ذلك في بَرنامجك الرمضاني، فخصِّص وقتًا لتلاوةٍ تختِم بها وتجني الأجر والحسنات، وخصِّص وقتًا لتلاوةٌ تتدبَّر فيها وتسألُ فيها وتُفَسِّر وتتعلَّم، لكي تأخُذ كتاب الله بقوة، وحاول أن تتعود النوم وأنت تسمَعُ وتُسمِع أطفالك القُرآن الكريم.

ضع لنفسِك برنامجًا بكلِّ ما ذكرنا؛ شارك زوجتك وأهلك وبنيك في كتابة البرنامج، فالأسرة المسلمة يتعاون أبناؤها على البر والتقوى؛ نضَع برنامج رمضان سويًا ونتعاون عليه ونذكِّرُ بعضَنا بما فيه.

حفِّز أبناءك على الطاعات، حفِّزهم على النشاط في رمضان، أقِم لهم النشاطات الإيمانية في المنزل، حفِّزهم على النشاط للطاعة بالهدايا والمحفِّزات التي تُفرِح قلوبهم، وتُبهِجُ نفوسَهم، ليكون عملهم حتى موتهم في صحيفتك بما عودَّتهم عليه من الطاعة. (( وينشأ ناشئُ الوِلدانِ منَّا    ***  على ما كان عوَّده أبوه)).

أخرج الدنيا من قلبك، وتصدَّق بما تُحِب، وليكن الصيام عونًا لك ولأسرتِك على تغيير برنامج حياتك وحياتِهم إلى الأفضل، ليكن الصيام عونًا لك ولهم على تخطي عادات سلبية ابتليتم بها، وأخص منها بالذِّكر هذا الدخان الخبيث الضار.

الدخان الخبيث: حارِقَ المالِ ومُتلِفَ العافِية ومُغضِبَ الرحمن… لعلَّ رمضانَ فُرصةٌ ثمينةٌ لمن عقد العزم والنية على الإقلاع عنه.

وفقنا الله وإياكم إلى ما يُحبُّ ويرضى،  اللهم بلِّغنا رمضان وبارك لنا فيه واجعله فُرصةً لنا لكي نتغيَّر إلى ما تُحِبُّ وترضى… أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *