سلسلة كلمات في الثورة

مقدمة سلسلة كلمات في الثورة

عاصر علي الطنطاوي -رحمه الله- الاستعمارَ الفرنسي وهو شاب في أول الشباب، فتصدر المظاهرات وملأ الدنيا خطباً ومقالات. ثم شاهد ضياع فلسطين وشهد مأساتها، وشهد جهاد الجزائر ومصر والعراق وسواها من بلدان المسلمين التي ابتُليت بالاستعمار، فرابط في ميدان المقال كما يرابط المجاهدون في ميدان القتال، وكان قلمُه سيفاً من أمضى سيوف الحق على الدوام.

لو كان اليومَ بيننا لسَلّ قلمه واستأنف الجهاد ولملأ الدنيا -مرة أخرى- بالخطب والمقالات، أمَا وقد غاب عنا وانتقل إلى رحمة الله فقد انصرفتُ إلى بعض ما خَطّه في هذا الباب فاستخرجته من مواضعه، فمنه ما وجدته معبّراً عن حالنا اليومَ كأنما كُتب الساعة، فنشرته كما هو، ومنه ما كُتب ليوم غير هذا اليوم وحال غير هذه الحال، فعدّلته ليناسب الزمان الحاضر، ولم أغيّر شيئاً سوى أني استبدلت كلمات بكلمات، وحيثما صنعت ذلك أعقبت النص المعدل بالنص الأصلي من باب التوثيق والتحقيق.

ثم ذيّلت كل كلمة من الكلمات الثورية بمصدرها (الكتاب والمقالة) وأثبتّ التاريخَ الذي نُشرت فيه أولَ مرة، وسوف أنشرها تباعاً في هذه الصفحة وفي مدونة “الزلزال السوري”، وهي مباحة لكل من شاء نسخها ونشرها حيثما شاء، فإنها وقف للثورة وللأمة، على أن يدفع ثمنَ النسخ والنشر: “دعاء لكاتبها بظهر الغيب”، فإنه في مكان لا ينفعه فيه غير الدعاء.

مجاهد ديرانية

 

كلمات في الثورة 1
الجهاد يكون واجباً إذا احتل العدو بلداً من بلاد المسلمين، هنالك يُعلَن الاستنفار العام ويصير القتال واجباً على الجميع، على أن يبدأ بأهل البلد الذي احتله العدو، فإن لم يَكْفوا فعلى من يليهم من جيرانهم، الأقرب فالأقرب.

والجهاد ليس القتال بالسلاح فقط، فالذي يمدّ المقاتلين بالمال (إن كانت حاجتهم إليه أكثر من حاجتهم إلى الرجال) مجاهد، والذي يساعدهم بالدعاية باللسان وبالقلم (إن كانت تعين على النصر) مجاهد، والذي يتولى رعاية أسر المجاهدين مجاهد، والله قدّم -بالذكر لا بالأجر- المجاهدين بالمال على المجاهدين بالنفس. إن كل جندي يقف في الميدان يحتاج إلى أربعة أو خمسة يقومون وراءه، يعدون له السلاح والعتاد والمؤن ووسائل النقل، وهؤلاء كلهم إنْ صَحَّت نياتهم مجاهدون.

مع العلم بأن المجاهد هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لا لمجرد الدفاع عن الوطن ولا لمجرد استرداد الأرض، ولا لتنشر الصحفُ اسمَه ولا ليعلوَ في الناس ذكرُه.

الفتاوى ج1: لا إكراه في الدين (1983)

 

كلمات في الثورة 2
لا تجزعوا من تلك المصائب المتتالية، فما هي إلا تدريب لنا. نحن كالبطل الرياضي الذي كان المصارعَ السابق، ثم تكاسل ونام حتى فترت حماسته وونَتْ قوّتُه. ماذا يصنع هذا البطل إذا جاءت المباراة الجديدة؟ ألا يكلَّف أنواعَ التمرينات الشاقّة ليعود إليه نشاطه ويرتدّ إليه جَلَده؟ كذلك يصنع الله بنا.

لقد كنا أمةَ نِزال وصِدام، وكنا أبطال المعارك وفرسان الميادين، ولقد فتحنا الشرق والغرب وملكنا ما بين الصين وفرنسا، ثم هجعنا طويلاً، وتوالت علينا أيام الخمول حتى لقد شككنا في أنفسنا. وها نحن أولاء نُدعَى مرة ثانية لقيادة العالم. إي والله، لقيادة العالم، ولا بدّ لذلك من تمرينات شاقة، وهذه هي التمرينات.

وقد يموت منا رجال، وتخرب لنا دور، ويصيبنا الأذى، ولكن ذلك كله يهون في جنب الغاية التي يريدها الله لنا.

هُتاف المجد: حوادث مصر (1956)

 

كلمات في الثورة 3
إلى السلاح يا عرب. إلى السلاح، فإن كل استقلال لا يحميه السلاح قلعة مَبنيّة على تل من الملح في مجرى السيل. إلى السلاح، فإن كل حق لا يؤيده فمُ المدفع حق معرَّضٌ للاغتصاب. إلى السلاح لتحموا به أوطانكم وإيمانكم، وتدافعوا به عن أرضكم وعن عِرضْكم، ولتذودوا به عن أجداث أجدادكم وآثار أمجادكم.

إلى السلاح يا عرب، إلى السلاح، ابذلوا في سبيله الغالي والرخيص. إلى السلاح، بيعوا الصحن والكرسي واشتروا السلاح، امنعوا عن أفواهكم وابذلوا للسلاح، فإنه إن كان معكم السلاح استرجعتم كل ما بذلتم، وإن لم يكن معكم سلاح لم ينفعكم كل ما ادّخرتموه.

إلى السلاح يا عرب: سلاح الحديد في أيديكم، وسلاح الإيمان في قلوبكم، وسلاح الأخلاق والعلم والمال. والله معكم، إن تنصروا الله بأموالكم وأنفسكم ينصركم ويثبّت أقدامكم.

هُتاف المجد: إلى السلاح يا عرب (1954)

 

كلمات في الثورة 4
من العلماء من جمع خوف الله وجرأة القلب وطلاقة اللسان، فنزل إلى الميدان، يعلّم الجاهل ويقوّم المائل ويصلح الفاسد، ويؤدّي حق العلم عليه حين أخذ الله على العلماء أن يبلغوه الناس ولا يكتموه.

ولمّا ابتُلينا بالاحتلال كان الذين قادوا النضال وأوصلوا بلادهم إلى الاستقلال من هذه الطبقة من المشايخ والعلماء: الأمير عبد القادر الجزائري منهم، وعبد الكريم الخطابي، وعمر المختار، وعز الدين القسّام، وأمثال هؤلاء.

وكنا كلما قام فينا حاكم لا نرضاه أو مرّ بنا عهد لا نحبه، كان أول من يعمل على إزاحة هذا الحاكم وإنهاء هذا العهد هم علماء الدين وخطباء المساجد وشباب الإسلام… نحن نخوض المعركة وغيرنا يأخذ المغانم:

وإذا تكونُ كريهةٌ أُدعى لها *** وإذا يُحاسُ الحَيسُ يُدعى جُندُبُ

ثم كَثُرَت الجنادب حتى لحسَت الحَيس كله، وحازت المآدب جميعها وأكلت ثمار الجهاد، والذين جاهدوا ينظرون بعيونهم من بعيد!

الذكريات ج5 ح149 (1984)

 

كلمات في الثورة 5
أيها المجاهدون: أنتم نذرتم أنفسكم للجهاد وقد تتعرضون لمخاطر لا بدّ للجندي منها، فإذا انسدَّت يوماً في وجوهكم السُّبُل، إذا رأيتم أنفسكم في ضَنْك، إذا لم تجدوا ملجأ أو مخرجاً على الأرض، فاذكروا أن هناك باباً لا يُسَدّ أبداً، هو باب الله، هو باب السماء. فمُدّوا أيديكم وقولوا “يا الله” قبل أن تمضوا.

أيها المجاهدون: قبل أن تمضوا إلى المعركة ليَقُل العاصي: يا رب، إني أتيت إليك، إني أترك أهلي وأمضي مجاهداً في سبيلك ولإعلاء كلمتك، فاكتبها لي شهادة، ولا تحرمني الحياة الدنيا بالموت والحياة الأخرى بخسران الجنة.

توجّهوا إلى الله، واجعلوا شعاركم الذي تهتفون به أمام كل قلعة وفي كل واد وعلى كل رابية هُتافَ آبائكم الذي كان يأتيهم به النصر، ذلك النشيد الذي لم تسمع أذن الزمان أعظم منه روعة ولا أعلى منه رفعة، نشيد “الله أكبر”. ومهما كبر العدو فاعلموا أن الله أكبر منه، وثقوا أنكم إن كنتم جنداً لله فإن جند الله منصور دائماً وإذا كنتم مع الله بقلوبكم فلن يغلبكم أحد: {وإنّ جُنْدَنا لَهُمُ الغَالِبونَ}.

نور وهداية: الحرب والإيمان (1969)

 

كلمات في الثورة 6
نحن لا نبغي عدواناً ولا نطلب باطلاً. إننا نطلب الحق، وسنحارب إن لم نُعْطَ الحق. نحارب لا بغياً ولا ظلماً، فلا ينصرُ الله ظالماً، ولكنْ دفاعاً عن أنفسنا وعن الحق وعن كرامة الإنسان. نحارب بشيوخ لهم حماسة الشباب، وشباب لهم حكمة الشيوخ، ونساء لهن رجولة الرجال، وصغار لهم عزائم الكبار… ولئن هلك منا فوج لنأتينّ بأفواج، ولئن صبر العدوّ يوماً لَنرْمينّه بأيام، والمستقبل لنا.

فيا أيها العرب في كل أرض، يا أيها المسلمون تحت كل نجم، يا أيها الرجال ويا أيتها النساء: لقد أزفت ساعة المعركة الفاصلة، فليحمل كل رجل منكم وكل امرأة فيكم نصيبَه منها، واعلموا أن الظفر لكم إن شاء الله.

يا أيها المجاهدون: اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون.

هُتاف المجد: خطبة الحرب (1956)

 

كلمات في الثورة 7
إن هذا الشعب العربي أطيب شعوب الأرض وأصفاها جوهراً وأدناها إلى الخير وأسرعها إلى البذل. إن هذا الشعب يلبّي كل داع يدعوه إلى التضحية، لا يتأخر ولا يتردد. هذا هو إرث الماضي فينا، هذه هي ذكريات الأمجاد في أعصابنا، هذه هي قوة الإيمان في قلوبنا. إننا لا نستطيع أن نقعد إذا دُعينا إلى الجهاد، لأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- جعل كل رجل من أمته بطلاً على رغم أنفه.

إن الشعب يريد ممن يدعوه إلى البذل أن يبدأ بنفسه فيبذل، وممن يدفعه إلى الجهاد أن يمشي على رأس الصف إلى ميدان الجهاد؛ يريد زعماء يشاركونه نَعماءه وبأساءه، يجوعون معه إن جاع ويتعبون إن تعب، يريد زعماء يقتدون بسيرة محمد وأبي بكر وعمر، لا يكذبون إن خطبوا الناس، فلا يَدْعونهم إلى الموت ويطلبون لأنفسهم الحياة، ولا يرغّبونهم في العطاء ويغلقون صناديقهم على المنع، ولا يضيّعون مصلحة الأمة ووحدتها من أجل كرسي.

هات لي مثل صلاح الدين وخذ مثل نصر حطين، هات لي خالد بن الوليد وخذ مثل ظفر اليرموك. نحن ما فقدنا سلائقنا ولا أضعنا جوهرنا، ولكن فقدنا القادة الصالحين.

مقالات في كلمات: جواب (1949)

 

كلمات في الثورة 8
متى كان العربي المسلم، بل متى كان المسلم -عربياً كان أم تركياً أم كردياً- يهرب من مقارعة الأعداء ومقابلة الخصوم؟

إنه يستحيل أن يكون المسلم جباناً أو نذلاً، ولو أعوزه البارود أو فقد الرغيف. إنه يقاتل بالبندقية القديمة ويقاتل بالسيف ويقاتل بالحجارة، ولو كان خصمه أقوى دول الأرض، ويقاتل جائعاً أو يصبر يومه على تمرة أو يأكل الكلأ.

لا، ما هذه قصيدة فخر وحماسة بل هي حقيقة واقعة. أما ترون ما صنع المسلمون الأفغان أمام المعتدين الشيوعيين، ودولتُهم إحدى الدولتين الكبرَيَين في عالم اليوم؟ أليست هذه الوقفة إعادة كريمة ماجدة لموقف المسلمين الأوّلين، يوم نازلوا الدولتين الكبريَين في عالم الأمس في اليرموك والقادسية؟

إن الإسلام صبّ البطولة صباً في أعصاب المسلمين وأجراها في دمائهم، فمهما حاقت بهم الشدائد وتوالت المحن فلن تتبدل طبيعة البطولة فيهم، والعاقبة لهم إن كانوا مع الله لأن الله سيكون حينئذٍ معهم، ومَن كان الله معه لا يغلبه مخلوق.

الذكريات ج1 ح4 (1981)

 

كلمات في الثورة 9
يا ناس: هل تعيش أمة في الحرب مثلما كانت تعيش في السِّلم، لا تُنقص شيئاً من لهوها وتبذيرها وغفلتها؟ هل يُنفَق في الأمم الحية المحاربة قرشٌ واحد إلا في شراء النصر؟ هل تختلف أمة على الصغائر وتتنازع على المناصب والعدو قد غشيها في أرضها؟

يا ناس: إني أكون خائناً لديني ولأدبي إذا أنا غششتكم أو كتمت الحق عنكم. إنكم طالما تنكّرتم لدينكم ونسيتم أقداركم واحتقرتم نفوسكم وأضعتم سلائقكم الخيِّرة وخلائقكم النبيلة، ولا سبيل لكم إلى النصر إلا بأن تعودوا فتتخلّقوا بأخلاق النضال التي خَلَّقَ بها أجدادَكم نبيُّكم. أجِّلوا كل اختلاف بينكم إلى نهاية هذه الحرب، وأرجئوا كل نفقة لا ضرورة لها وكل لهو لا داعي إليه، وواجهوا العدو صفاً واحداً وقلباً واحداً، قد وقفتم على الظفر قواكم كلَّها وأموالَكم. واعلموا أنه لن ينفعكم -والله- منصبٌ ولا مال إن تركتم عدوكم يقوى بضعفكم ويشتد بتخاذلكم ويزيد بنقصكم.

إن الدنيا مقبلةٌ على غمرات سود ومرتقبةٌ أحداثاً جساماً، وستكون معركة لا يخرج منها إلا البطل. فتيقّظوا وتنبهوا، وثقوا بربكم، وعودوا إلى خلائقكم، واعرفوا أقداركم، واعتمدوا على نفوسكم، وأيقنوا -إن فعلتم- أنكم منصورون، منصورون، منصورون.

هتاف المجد: يا أيها العرب (1949)

 

كلمات في الثورة 10
إن سوريا الصغيرة تستطيع أن تكون من الدول الأوائل على وجه الأرض حضارةً وعلماً وقوةً ومالاً. هل لأمة مثلُ ما لنا من الحزم والعزم وركوب الفلوات واقتحام اللُجَج والضرب في الأرض؟ هل على ظهر هذه الكرة بلدٌ ليس فيه رجال منا، نزلوه فقراءَ فصاروا فيه من كبار الأغنياء؟

أفَيُعْيينا -ولنا هذه السجايا- أن نتقلّد السلاح ونُرجع أمجاد الأجداد؟ أتعجزنا هذه الحرب؟

أما حارَبْنا فرنسا ذات الحول والطول؟ حاربَها رجالٌ منّا بأيديهم، لا يملكون إلا السلاح الذي أخذوه من جنود فرنسا، فوقفت فرنسا بدباباتها ومدافعها عند جسر تورا سنتين لا تستطيع أن تجتازه، وما عرض النهر إلا خمسة أمتار وما يحميه إلا عشرات من الثوار!

أمَا نصَرَنا الله في أيام أشدّ من هذه الأيام؟ أضاعت ثقتُنا بالله ثم بأنفسنا وبماضينا وبأمجادنا؟ ألا ترونها تتلظّى في العروق الدماءُ وتتفجّر في الرؤوس الحماسة؟

إن ها هنا شعباً يريد أن يموت ليحيا وطنه، فهل يستطيع “عدونا” أن يبيد الشعب كله؟

هُتاف المجد: إلى السلاح يا عرب (1) (1951)

 

كلمات في الثورة 11
إن الله جعل لكل شيء سبباً، فالفلاّح الذي يقعد عن شقّ الأرض وبذر البذر ثم يقول: “اللهم أنبت لي الزرع” لا يُنبت الله زرعَه. والتلميذ الذي يدع الدرس ويشتغل باللهو واللعب ويقول: “اللهم اكتب لي النجاح في الامتحان” لا يكتب الله له النجاح. والأمة التي تلعب حين الجِدّ ويتربص بها العدو فلا تُعِدّ القوة للعدو وتطلب من الله النصر لا يكتب الله لها النصر. لأن الله لا يبدل سننه في كونه وقوانينه في مخلوقاته من أجل فلاح مهمل ولا تلميذ كسلان ولا شعب غافل.

فإذا أردنا -معشر المسلمين- أن يغيّر الله ما نحن فيه من التفرق والانقسام وتكالُب الخصوم وغلَبة الأعداء فلنغيّر أولاً ما بأنفسنا: {إنّ اللهَ لا يُغيّرُ ما بِقَومٍ حتّى يُغَيّروا ما بأنفسِهِم}. هذا هو القانون، فهل غيّرنا ما بأنفسنا؟

الذكريات ج7 ح203 (1986)

 

كلمات في الثورة 12
لقد دُعي المسلمون الأوّلون إلى الجهاد، إلى التضحية، إلى بذل الروح مئة مرة، فما تقاعسوا ولا تردّدوا. لقد لبَّوا دوماً وما أَبَوا يوماً، ولا يزالون حاضرين ليلبّوا إن دُعوا من جديد. على أن يدعوهم الداعي بلسانهم لا بلسان غريب عنهم لا يفهمونه ولا يعرفونه؛ يدعوهم باسم الدين جهاداً في سبيل الله وإعلاءً لكلمة الله، لا باسم الوطنية ولا القومية ولا التقدمية.

إن الله يعطي الشهيد الذي يموت في سبيله جنة عرضها السماوات والأرض، يعطيه حياة مدتها مليار مليار قرن، بل إن مدتها لا تحيط بها الأرقام لأنها لا نهاية لها، حياة ما فيها إلا السعادة وكل لذيذ مُشتهَىً، بدل حياة على الأرض مهما طالت فإن نهايتها الموت وفيها ما فيها من المتاعب والآلام.

هذا جزاء من يقاتل في سبيل الله. فماذا تعطي القومية وتعطي التقدمية وتعطي الوطنية من يموت في سبيلها؟ هل عندها ما تعطيه؟ بل قولوا ما هي؟ هل هي شيء له وجود أم هي أسماء سمّيناها نحن (لا آباؤنا) ما أنزل الله بها من سلطان؟ فما لنا ندع شرعة الإسلام إلى نظام أساسه أوهام، ونتائجه أحلام، ولن يكون له (كما لم يكن لأمثاله) دوام؟

الذكريات ج1 ح4 (1981)

 

كلمات في الثورة 13
لن تقوى قوة في العالم على سلبنا الشرف والإيمان، فاصنعوا ما شئتم. املؤوا المرجة دبّابات، واقتلوا منّا المئات، واكذبوا فانشروا ما شئتم بلاغات، فكل ما هو آتٍ آت.

قد رأينا الموت وقاسينا الفقر وشاهدنا الخراب، وأصبحت مدينتا بَلْقعاً وأهلها مفجوعين ونساؤها ثاكلات، فماذا نخاف بعد هذا؟ هل بعد الموت منزلة نحابيكم عليها؟ هل عندكم أشدّ من الرصاص؟ فقد فتحنا له صدورنا! هل عندكم أغلى من الأرواح؟ لقد أعددناها ثمناً للاستقلال!

ثمنُ المجدِ دمٌ جُدنا به *** فانظروا كيف بذلنا الثمنا

إن حصاد الدم هو الاستقلال، وإن الشهادة خير بألف مرة من حياة يذلنا فيها العبيد.

إن الهرّة إذا حُبست وضويقت انقلبَت لبؤة، والبركان إن سُدّت فوهته كان الانفجار، والشعب إذا استُذِلّ ثار، والنار ولا العار، وللشهداء عقبى الدار، وستردّون -أيها المعتدون- إلى الله الملك الجبار.

البواكير: يا أمة الحرية (1931)

 

كلمات في الثورة 14
يحسب ناسٌ أن الاستقلال جاءنا عفواً بلا تعب، وأننا وجدنا يوماً مائدة مُعَدّة فقعدنا على كراسي مصفوفة من حولها ومن فوقها الزهر والورد وطبق مغطّى فتحناه فإذا فيه الاستقلال المطلوب!

لقد نسي كثير منا ولم يدرِ كثير من ناشئتنا ما الذي دفعناه ثمناً له، من دمائنا الزكية التي أريقت، ومن نفوسنا البريئة التي أُزهقت، ومن بيوتنا التي كانت جنّات تجري في صحونها المياه نوافير تشرح الصدر دكّوها بالمدافع دكاً فتركوها خراباً.

فيا ليتنا، يا ليت العرب كلهم، يا ليت المسلمين جميعاً حافظوا على استقلالهم، يا ليتنا لم نصنع (أو لم يصنع بعضُنا بأيدينا) ما كان يبتغيه المستعمر منا.

الذكريات ج7 ح203 (1986)

 

كلمات في الثورة 15
المسلمون إلى خير، ما في ذلك شك. لا تنظروا إلى عهد أبي بكر وعمر ولكن انظروا إلى ما كنّا فيه قبل ثلاثين سنة، فإنّ صاعدَ الجبل إنْ نظر إلى الذروة قال: كم أنا منخفض! ولكنه إن نظر إلى السفح قال: كم أنا مرتفع!

وكل ماشٍ يصل، وكل ساعٍ إلى غاية لا بدّ أن يبلغها، فلا تيأسوا إن لم تروا بوادر النصر في يومكم، ولا تقنطوا من رَوْح الله، ولا تشكّوا في إرثكم من البطولة المحمّدية التي تنقّلت في دماء جدودكم حتى مشت في عروقكم، واعلموا أن الفَلَك دَوّارٌ لا يُسمَّر بمسمار، وأنه يكون أبداً ليلٌ ونهار.

وها هو ذا الفلك يدور؛ إن هذا الظلام الذي نغرق فيه غَبَشُ السَّحَر الذي يتبعه النهار.

هُتاف المجد: المسلمون إلى خير (1955)

 

كلمات في الثورة 16
إنّ مَن يسمع صوت قطة في الشارع تموء من الألم لا يستطيع أن ينام، ومن يدقّ جاره بالمطرقة على جداره لا يستطيع أن ينام. فكيف ننام وأصوات المشرَّدين الهائمين من الأطفال والعجائز، من النساء والضعفاء، تملأ آذاننا؟ أتنامون على أصوات الاستغاثة من حلوق إخوانكم وأخواتكم، على أصوات المدافع والصواريخ يصبّها عليهم أعداؤهم وأعداؤكم؟

هل تستطيعون أن تأكلوا وتشربوا وتضحكوا وتمزحوا، “وإخوانكم هناك في الشام يذبّح أبناءهم مَن هم شرٌّ من اليهود”؟ يؤذون نساءهم، ينسفون منازلهم، يسرقون أرضهم… كاللص يدخل عليك في الظلام دارك فيحتلّ جانباً منها فيدعوك إلى التفاوض. أفيفاوض ربّ الدار الحرامي؟ إذن فعلى العقل وعلى العدل السلام.

كم من أمهات هناك ثاكلات وبنات مهتّكات، وبيوت مخرَّبات ودموع مسفوحات، وأعزّة كرام ذلّوا وأغنياء احتاجوا، شُرّدوا وسكنوا بعد القصور الخيام، وصاروا بعد البذل والعطاء محتاجين إلى القوت وإلى الغطاء… فإن لم تدافعوا عنهم بالسلاح ولم تبذلوا من أجلهم الأرواح فجودوا بالأموال، فإن الجود بالأموال نوع من الجهاد.

الذكريات ج8 ح226 (1987)

ملاحظة: الكلمة الأصلية عن فلسطين، وفيها: “هل تستطيعون أن تأكلوا وتشربوا وتضحكوا وتمزحوا “وإخوانكم هناك في فلسطين يذبّح أبناءهم “اليهودُ”… وقد غيّرت ما بين الأقواس فصارت الكلمة كأنما قيلت في حالنا اليوم.

 

كلمات في الثورة 17
يا أيها العرب جميعاً: هل تدرون ما هو أعظم خَطْب يمكن أن ينزل بنا، وما هي أدهى مصيبة يُخشى أن تصيبنا؟ لا، ليست الاستعمار الأجنبي، فسنجاهد حتى لا يبقى في ديار العروبة ومنازل الإسلام غاصب أجنبي، وليست مشكلة إسرائيل، فسنحارب حتى نسلّم “إسرائيل” إلى عزرائيل.

ولكن المصيبة أن نكفر بأنفسنا، وأن نجهل أقدارنا، وأن لا نعرف فوق الأرض مكاننا، وأن نحسب أننا خُلقنا لنكون أبداً أضعف من الغربيين وأجهل منهم، وأن ننسى أن أجدادنا لمّا خرجوا يفتحون الدنيا ما كانوا أقوى منا على عدونا، وأنهم أقدموا بسيوف ملفوفة بالخِرَق على عدو كان أكثر عَدَداً وأقوى عُدَداً، وأضخم عمراناً وأكثر علماً ومالاً، فظفروا به وانتصروا عليه، وأن الأيام دُوَل والدهر دولاب، يهبط العالي ويعلو الذي هبط، ويذلّ العزيز ويعزّ الذي ذلّ، وإنْ دار علينا الدهر حيناً فافترقنا وتباعدنا ولفَّنا -بعد إشراق النهار- ليلٌ مظلم حَسِبْنا -لطوله- أنْ لا صباح له، فقد طلع الآن الصباح وانقضى الليل، وهبَّ النائمون يمشون إلى الأمام.

هُتاف المجد: يا أيها العرب (1949)

 

كلمات في الثورة 18
نحن لا نريد أن نظلم أحداً، ولكنا لا نريد أن نكون كعير الحي، ولا الوتد، ولا الشاة بين أنياب الذئب. إننا نحب أن نتأدب بأدب القرآن الكريم، جَلَّ مِن أدب، ونأخذ بقول الله، تقدّس مِن قول: {ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمِثل ما اعتدى عليكم}. من ضربكم بالمدافع فاضربوه بمثلها، لا تضربوه بالكلام، ومن أخذ الإبل فاستردوا منه الإبل وأدّبوه، لا توسعوه شتماً “وأودى بالإبل”!

{وأَعِدّو لهُمْ مَا اسْتَطَعتُم مِنْ قُوَّةٍ}، ودعوا الكماليات، ووفروا المال، واشتروا السلاح، وانشروا نظام الفتوّة، وافتحوا معسكرات التدريب، واجعلوا البلد كلها ثكنة كبيرة.

إن اللغة التي يفهم بها البشر اليوم هي لغة المدفع، والحق على شِفار السيوف وحدّ الأسِنَّة، لا بأطراف الألسنة ولا بصحائف الكتب. فلا تتكلموا بعد اليوم إلا بلغة المدفع!

كلمات صغيرة: خاطبوهم بلغة المدفع (1950)

 

كلمات في الثورة 19
يا أيها الناس: ألا تشعرون؟ أماتت في قلوبكم أخوّة الدين ورأفة الإنسانية؟ إن في البلد نساء عاريات جائعات وأطفالاً عراة جياعاً، خرجوا من ديارهم وطُردوا من بيوتهم وأصبحوا مشردين ضائعين، يتوسدون التراب ويلتحفون السماء، وأنتم تنامون على القطن والصوف والريش، وتأكلون الحلو والحامض، وتضحكون وتطربون… وتدّعون أنكم عرب مسلمون؟ يا للعار!

يا أيها الناس: لا أقول لكم اذهبوا فحاربوا، ولكن أقول ساعدوا إخوانكم في الدين، في الإنسانية. تداركوا الجياع قبل أن يموتوا جوعاً، الحقوا العراة قبل أن يهلكوا برداً. لا يقل واحد منكم: “أنا لا يعنيني”. كل واحد منكم مسؤول، كل واحد بحسب طاقته. ألم يبق في البلد مسلم؟ ألم يبق عربي؟ ألم يبق شريف؟ ألم يبق إنسان؟ أتأكلون وتشربون وتلعبون وتطربون وإخوانكم يموتون؟ يا للعار!

أما إنها والله ليست مسألة كلام يقال ولا مقالة تُكتب ولا خطبة تُخطب، ولكنها مسألة حياة أو موت، فتبّاً لمن يرى أخاه يموت من البرد ولا يمد إليه يداً، وسُحقاً لمن يرى أخته تموت من الجوع ولا يقدم لها رغيفاً. إن من يفعل هذا ليس مسلماً ولا عربياً ولا إنساناً!

لكن في بلادنا بحمد الله مسلمين وفيها عرباً وفيها ناساً، فلننظر ما يفعلون.

هتاف المجد: يا للعار (نُشرت سنة 1936 بمناسبة أحداث فلسطين)

 

كلمات في الثورة 20
لا تشكّوا بالنصر، فإن الشك في النصر شَكٌّ في نفوسكم وشَكّ في الله. ها هو ذا السلاح في أيديكم، فاستكملوا إيمانكم واستعينوا بربكم، فإنكم غالبون. أنتم الغالبون ما كنتم مع الله، والنصر لكم ما نصرتم الله وحاربتم لإعلاء كلمة الله.

سيُصاب منا رجال ورجال، وستخرب لنا دور ودور… هذه هي الحرب، ولكن هذا كله لا يفتّ في أعضادنا ولا يُدخل الضعف على قلوبنا. كل أمة في الدنيا تنال ويُنال منها، ولكنها لا تموت: {إن يَمْسسكم قَرْحٌ فقد مسّ القومَ قَرْحٌ مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلمَ الله الذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين}.

يا أيها الناس: دعوا اللهو والترف، ودعوا الخلاف والنزاع، وكونوا جميعاً جنود الله في المعركة الحمراء، فهذي بشائر النصر قد بَدَتْ لكم، وهذي طبول الظفر قد دُقّت أمامكم، وهذا هو فجر يومكم الجديد قد انبلج. فاصبروا فالنصر لكم؛ {يا أيّها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون}.

هتاف المجد: في حوادث مصر (1956)

 

كلمات في الثورة 21
يا أيها الأغنياء: اذكروا أن في الأرض من إخوانكم، من أبناء أبيكم آدم وأمكم حواء، مَن لا يجد في هذا البرد الذي يجمّد الأنفاس دثاراً من الصوف يتدثر به، وغرفة محكمة يأوي إليها، وناراً موقدة يتدفأ بها، ومن لا يعرف من أين يأتي بالمال الذي يشتري به الخبزَ يسدّ به جوعَه والدواءَ يدفع به مرضَه. وأن في البلد فقراء مدقعين، وأن في البلد لاجئين. وأنكم لا تكونون من أبناء آدم إذا أهملتم إخوانكم هؤلاء ولم تُخطروهم على بالكم ولم تجعلوهم من همّكم.

فابحثوا عن الفقراء من جيرانكم، واللاجئين في حيّكم، وسلوا أولادكم في المدارس عن أولاد الفقراء: ما حالهم؟ ماذا يلبسون؟ فلعل ثوباً عتيقاً من ثياب أولادكم يكون هدية العيد عندهم. وفيم يكتبون؟ فلعل دفتراً قديماً من دفاتر أولادكم يكون فرحة العمر لهم، ولعل الليرة التي تنفقونها فلا تحسون بها تكون ثروة لهم إذا دفعتموها إليهم.

ولا تغترّوا بالغنى، فطالما افتقر أغنياء. ولا بالصحة، فطالما مرض أصحّاء. وما دامت الدنيا لأحد حتى تدوم لكم، والحساب بعد ذلك أمامكم، وستُعرَضون على ربكم، فاجعلوا هذه الصدقات شكركم لله ما أنعم به عليكم، واجعلوها تكفيراً عن خطاياكم، وأسرّوا الصدقة حتى لا تعلم يمينكم بما صنعت شمالكم يُضاعَفْ لكم الأجر عند ربكم، أو أعلنوها حتى يقتدي الناس بكم ويسيروا في الخير على سننكم.

مقالات في كلمات: إلى الأغنياء (1949)

 

كلمات في الثورة 22
إن الذي ينفقه الأغنياء على الترف والسرف يكفي لتعليم كل ولد في البلدة وإطعام كل جائع وإسعاف كل فقير. إن عرساً واحداً من أعراس الموسرين الكبار تكفي نفقاته لإطعام عشر عائلات شهراً كاملاً، وما يُنفَق على أكاليل الزهر في الجنائز وطاقات الورد في الأفراح يفتح كل سنة مستشفى مجانياً للفقراء، وما يُنفَق في الولائم والحفلات وما يُصرَف في الملاهي والموبقات يكفي لسد حاجة كل محتاج.

وأنا لا أقول: دعوا هذا كله؛ فإنكم لن تفعلوا، ولكن اجعلوا من أموالكم نصيباً لهؤلاء المعذَّبين في الأرض. زكّوا عن أموالكم فإنكم لا تدرون هل تدوم لكم أو تذهب عنكم.

وهل أخذ أحدٌ على الدهر عهداً أن لا تَحُول عنه الحال وأن لا يذهب من يده المال؟ ومَن الذي جعل لولد الغني الحق في أن يبقى أبداً سيداً، يُعطى ما يطلب وينال ما يريد، وكتب على ولد الفقير الفقرَ والشقاء أبداً؟ ومَن يثق بأنّ ولده لن يحتاج غداً إلى ولد الفقير، يسأله ويرجو رِفده؟ وإذا وثقتم ببقاء المال، فهل تثقون ببقاء الصحة؟ أتأمنون الأمراض والنوازل والنكبات؟

فاستنزِلوا رحمة الله بالبذل، وادفعوا عنكم المصائب بالصدقات.

وأنا لا أخاطب أرباب الآلاف المؤلفة فقط، بل أخاطب القرّاء جميعاً. إن الناس درجات؛ أمَا تفرح إن أعطاك صاحب الملايين ألف ليرة؟ فأعطِ أنت المُعدَم عشرَ ليرات. إن الليرات العشر له كالألف لك، والألف عند المليونير كالعشر عندك. والثوب القديم الذي تطرحه قد يكون ثوبَ العيد عند ناس آخرين، فلماذا لا تسرّهم بشيء لا يضرك ولا تحس بفقده؟

ولو أن كل امرئ يعطي من هو أفقر منه لما بقي في الدنيا محتاج. فيا أيها القراء، أسألكم بالله: لا تدَعوا كلمتي تذهب في الهواء، فإني والله ما أردت إلا الخير لكم.

من حديث النفس: جواب على كتاب (1959)

 

كلمات في الثورة 23
هل شككتم وتزعزعتم أن بعث الله لكم مَن يبلو بعدوانه صبرَكم وبأذاه رجولَتكم، وأن جعله امتحاناً لكم لينظر ماذا استفدتم من درس البطولة الذي تلقّيتموه في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم؟ هل ظَننتم أنكم تنالون شهادة البطولة بلا امتحان؟ {أم حسبتم أن تدخلوا الجنةَ ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين؟}

أم أنتم قد حزنتم وقلتم: “ما لنا نُبتلى ويَسْلم الضالّون الظالمون”، ونسيتم أنه لو كان الابتلاء شراً لما ابتلى الله الأنبياء والصالحين والمسلمين الأوّلين؟ أفما لكم قدوة برسول الله عليه الصلاة والسلام؟ أما لكم أسْوَة بالصحابة والتابعين، ممّن أوذي في سبيل الله وعُذّب وقتل، وبمن وُضعت المناشير على أعناقهم ليقولوا كلمة الكفر، فكانوا يقولون: لا إله إلا الله؟

أما سمعتم قصة الملك الذي طغى وبغى وشَنَق وخنق، حتى خَلعت خشيةُ بطشه القلوبَ وقطعت الألسنة، فجاءه رجل صالح من رعيّته بمسمار عظيم أعدّه وحمله إليه على أربعة جمال حتى بلغ به باب القصر، فأطلّ الملك فرآه فقال متعجباً: ما هذا؟ قال: هذا يا مولاي مسمار لتسمّر به الفلك، فلا يدور بالمُلْك عنك إلى غيرك ويبقى لك أبداً.

وما سُمّر الفلك ولا دام المُلْك، وأودى الدهرُ بجبروته وسلطانه فلم يعد يحسّ به أحد أو يدري بأنه كان له يوماً وجود. ذهب كما ذهب من قبله فرعون وهامان والنمرود، وهلك كما هلكت عادٌ وثمود، وقد كانوا جبابرةَ الأرض وكانوا مَرَدَة البشر، ومشى في الطريق الذي مشى فيه الطغاة جميعاً، إلى جهنم. فأين هو اليوم؟ وأين فرعون الذي قال: {أنا ربكم الأعلى}؟ وأين النمرود الذي ضَرّم النار على إبراهيم؟

فلا تجزعوا إن استأسد فيكم ثعلب أو استنسر بُغاث؛ لقد ذهبوا جميعاً، جرفهم سيل الزمان، أفيبقى من بعدهم فلان (ممن لا أسمّي) وفلان؟ أيودي السيلُ بالفِيَلة الكبار والآساد وتَثْبت له القطط والخرفان؟

هُتاف المجد: المسلمون إلى خير (1955)

 

كلمات في الثورة 24
لا تشكّوا بالنصر، فإن الشك في النصر شك في نفوسكم وشك في الله.

ها هو ذا السلاح في أيديكم، فاستكملوا إيمانكم واستعينوا بربكم، فإنكم غالبون. أنتم الغالبون ما كنتم مع الله، والنصر لكم ما نصرتم الله وحاربتم لإعلاء كلمة الله.

سيُصاب منا رجال ورجال، وستخرب لنا دور ودور، وسيأخذ العدوّ مناطق من أرضنا ومناطق؛ هذه هي الحرب، ولكن هذا كله لا يفتّ في أعضادنا ولا يُدخل الضعف على قلوبنا.

لقد مُحيت بولونيا من خريطة أوربا مرات ثم أعادتها عزائم أبنائها، وكل أمة في الدنيا تنال ويُنال منها، ولكنها لا تموت، وإذا أُصِبنا بأبنائنا وديارنا فقد أصيب عدونا كما أصبنا: {إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين}.

اللهم ثبّت أقدامنا وأتِمّ نعمك علينا. {يا أيّها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون}.

هتاف المجد: في حوادث مصر (1956)

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 3 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *