خطبة عيد الأضحى 1437هـ – ملة إبراهيم – عظمة التوحيد ومعانيه

خطبة عيد الأضحى 1437

#خطبة_عيد_الأضحى
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

مِلَّة إبراهيم
عظمة التوحيد ومعانيه

التاريخ: 10/ ذو الحجة/1437هـ
الموافق: 12/ أيلول/2016م

🕌 من أحد مساجد حلب المحررة
⏱ المدة: 27 دقيقة

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1- مشهد عرفة من أعظم مشاهد توحيد الله على الأرض.
2- مِلَّةُ إبراهيم.
3- أنبياء تطمئن على سلامة عقيدة أولادها وهي تعالج سكرات الموت.
4- المعنى الحقيقي لكلمة التوحيد.
5- لماذا حورب دُعاة التوحيد.
6- معنى الله أكبر حقًا حقًّا.
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
7- أحكام الأضحية.
8- آداب صلة الرحم.
9- خطورة الاختلاط المحرَّم في المناسبات وغيرها.
10- عيدنا الحقيقي.

رابط الخطبة على الفيسبوك
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الله أكبر (تِسعًا)
1- الله أكبر عدَد ما ضجّت الأصوات بالدعوات.
2- الله أكبر عددَ ما تعاقب النور والظلمات.
3- الله أكبر عدد ما تقرَّب العابدون بالصالحات.
4- الله أكبر عدد ما تعرضوا لنفَحات الرحمن في عرفات.
5- الله أكبر عدد ما سَكبت الأعينُ هنالك من العَبَرات.
6- الله أكبر عدد ما وقفَ الحجيج بعرفة خاشعين.
7- الله أكبر عدد ما طافوا وسعوا ذاكرين مكبرين.
8- الله أكبر عدد ما وقفوا بالمشعَرِ الحرام طالبين راغبين.
9- الله أكبر عدد ما رَموا منَ الجمرات مُكبِّرين، مُحلِّقين رؤوسهم ومُقصِّرين .

الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله وبحمده بكرةً وأصيلا، الحمدُ لله العزيز الغفار، يكوِّر النهار على الليل ويكوِّر الليل على النهار، إن في ذلك
لعبرة لأولي الأبصار، شرع الشرائع وسن الأعياد، وأقام معالم الدين للعباد، ورغبهم بالتزود من الطاعات ليوم المعاد، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه
وأستغفره، فإنه كلما شُكر زاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة صِدقٍ تنجي صاحبها يوم التناد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده
ورسوله الهادي إلى سبيل الرشاد، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ذوي الفضل والأمجاد، أمَّا بعد إخوة الإيمان:

موسمٌ جديدٌ يجمعنا من مواسم الرحيم الرحمن، عيد الأضحى الذي شرَعَه الله لنا بعد عبادةٍ من أعظم العبادات بعد رُكنِ الحجِّ الأكبر، بعد أن وقف من
أعانه الله من أهل الإسلام على المشعر الحرام، بعد أن وقف أولئك المؤمنون جميعًا أبيضهم وأسودهم، أصفرهم وأحمرهم، عربهم وعجمهم، شرقيهم
وغربيّهم، وقفوا هناك جميعًا ملبِّين نداء الله الواحد القهار(لبَّيك اللَّهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك)، وقفوا جميعًا مُحيين شعيرة نبيِّ الله إبراهيم، الذي
أمرهُ ربُّه وابنَهُ اسماعيلَ ببناء البيت العتيق:

((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا
مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (129))) (البقرة).

فتقبَّل الله صنيعهما، وأجاب دُعاءهما، وجعل من ذرِّيتهما سيد الأنبياء وخاتم المرسلين، سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – أرسله الله في ذرِّية
اسماعيل ليعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، ليعلِّمهم وليدعوهم إلى دين التوحيد، ذاك التوحيدُ الذي أرسل الله من أجله الرسل، وأنزل من أجله الكتب.

نعم أيها السادة، خاتم الأنبياء والمرسلي،ن أرسله الله بالدعوة للتوحيد الخالص، أُرسِل بالدعوة التي أرسل الله لأجلها كلَّ الأنبياء والمرسلين، أرسل الله
الرسل لأجل التوحيد، وأنزل الكُتُب لأجل التوحيد، أنزل الكُتب لتوحيد الله تعالى وإفراده بالعبودية، فلا ربَّ ولا إله معبود إلا الله الواحد القهار …

أيها السادة الكرام، أيُّها الإخوة المؤمنون: في هذه الأيامِ المباركة يقف الناس في المشاعر المقدَّسة وقد جاؤوا من كل حدبٍ وصوب، وقفوا ليوحِّدوا الله
وحده، لا يدعون أحدا سواه، في مشهدٍ من أعظم مشاهد التوحيد لله في الأرض، في مشهدٍ يعلي مِن شأن مِلَّة إبراهيم، ((وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا
مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131))) (البقرة)
أمره ربُّه أن يستسلم وينقاد لأوامره، فاستسلم عقله واستسلم قلبه، سكنت نفسه وخشعت روحه، إذ استسلم بكلِّيته لله الواحد القهار، فعاش موحِّدًا مُخلصًا
صادقًا، وربَّى بنيه على هذه المِلَّة، ربَّى بنيه على مِلَّة التوحيد الصادق الحق، ربَّى بنيه على التوحيدُ الذي يتجلَّى في قلب المسلم بأنَّ الله واحدٌ أحد، ربَّى
بنيه على إفرادا الله تعالى وحده بالربوبيَّةِ والعبوديَّة، فلا نسأل غير الله ولا نرجوا غير الله، بل نعلم معنى لا إله إلا الله حقًا، نعلم أنَّ كلَّ ما في الكون
بيد الله، ذاك التوحيد – أيُّها السادة – مات الأنبياء وهم يُوصون أبناءهم به… تخيل معي نبيًّا يربي أبناءه طيلة حياته على دين التوحيد، ثمَّ يسألهم عن
ذلك وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وهو يُعالِج سكرات الموت، وما ذاك إلا لأنَّه يريد أن يتأكد من سلامة عقيدتهم، وأن يطمئنَّ على صحة توحيدهم، ((
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ
مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي…[[ نبيٌ ربَّى أبناءه طيلة حياته على التوحيد ، ويأبى وهو على فراش الموت وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة يأبى إلا أن يتأكد من سلامة
عقيدتهم إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي؟؟]] قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133))) (البقرة)
هذا التوحيد أيها السادة، معقد الإيمان، وأصل الإسلام، لا إله إلا الله، لا معبود إلا الله، ولا معطي إلا الله، ولا مانع إلا الله، لا مُعِزَّ إلا الله ولا مُذِلَّ إلا
الله، ولا رافع إلا الله ولا خافض إلا الله، لا يكون في الكون إلا ما أراده الله … هذا التوحيد – أيها السادة – حورب من أجلِه الأنبياء، وقوتِلَ من أجله
المصلحون، وأوذِي فيه الدعاة الصادقون، هذا التوحيد – أيها السادة – ارتُكِبَت كل هذه الجرائم لتقف في وجهه، وهل تعتقدون أنَّ التوحيد الذي ارتكبت
كل هذه الحروب وافتعلت هذه المشاكل لتقف في وجهه، هل تعتقدون أنَّه مجرّد كلماتٍ تنطق بها الألسنة؟؟! هل يعقل أنَّه لمجرد النُّطق باللسان أنّه (لا
إله إلا الله) حارب المشركون أنبياءهم؟! وحارب من بعدهم أتباع الأنبياء والمرسلين؟! لا والله أيُّها السادة إذ لو كان التوحيدُ مجرَّد كلماتٍ باللسان لما
تعنَّى الكفار مشقَّة حرب أهل التوحيد، ولما حارب الكفارُ أنبياءهم، ولما تحمَّل المؤمنون المشقَّة والصبر في سبيله… ولكنَّ الأمرَ أكبرُ من ذلك، ولكنَّ
الأمر ليس مجرَّد كلمةٍ تقال باللسان..!! عرف الكفَّار ما وراء هذه الكلمةِ فحاربوها، عرفوا أنَّ معنى لا إله إلا الله، أن يكون الناس عبيدًا لله وحده وليسوا
عبيدًا لأحدٍ سواه، عرَف المشركون من زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن معنى لا إله إلا الله يعني إبطال ألوهيَّة كلِّ من تفرعن على الناس، عرفوا
أن معنى التوحيد الحق سحب سُلطة التشريع من كل الطواغيت، فلا مُشرِّع إلا الله ولا شرع إلّا شرعُ الله، عرف أولئك الكفّار وفهموا ما وراء كلمة
التوحيد أكثر من كثيرٍ من أبناء الموحِّدين، عرفوا تبعاتِ كلمة التوحيد ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ)) (يوسف:40) وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ حقيقة دين الإسلام وحقيقة عقيدة التوحيد، عرَف الكفَّار أنَّ عقيدة التوحيد ستسحب الكثير من
صلاحيات الطواغيت، عرفوا أن معنى حقيقة التوحيد أن يعيش الناس بحرِّيةٍ وكرامةٍ، فلا مجال للظلم ولا مجال لأن يطغى أحدٌ على أحد، عرفوا أن (لا
إله إلا الله) تجعل الناس سواءً أمام شرعِ الله، عرَف الكفَّار ذلك ولم يعرفه بعض المسلمين، عرَفوا ذلك فلم يقِرّوا بها على أنفسهم مع علمهم بأنها الحق،
(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (النمل:14).

فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ، أهل الكفر لم يقِروا بـ (لا إله إلا الله) لأنهم عرفوا أن معناها سحب صلاحيات الطواغيت …

وفي مقابل أولئك الجاحدين الكافرين، كان صفُّ أهل الإيمان وفُسطاط الموحدين، فمنهم من قالها بلسانه ولم يعي كثيرًا من معانيها، ومنهم من تشبَّعت
روحهم وامتلأت قلوبهم توحيدًا صافيًا لله، فعرَفوا معنى (لا إله إلا الله) فامتلأت نفوسهم ثقةً بالله ورضى بأمر الله، وصبرًا على مراد الله، عرفوا معنى
(إن ينصركم الله فلا غالب لكم)، عرفوا معنا (وما النصر إلّا من عند الله)، عرفوا معنى (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) عرفوا معنى (وَمَا
مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) (هود:6) عرفوا معنى شهادة التوحيد، عرفوا معنى (لا إله إلا الله) فأعطوها حقّها، فعاشوا لا يعظِّمون إلا الله،
ولا يهابون غير الله، ولا يكبِّرون غير الله، ينادون الله أكبر وهم يعرفون ما يقولون.

هؤلاء هم الموحِّدون حقًا أيها السادة، يعرفون معنى التوحيد، يعرفون معنى التكبير، ويسيرون في الحياة على ما عرفوا من تلك المعاني، يعرفون لا إله
إلا الله، ويعطونها حقها بين الرجاء والخوف، يتأملون بنصر الله وفتحه وعونه، يرجون رحمته ويخافون عذابه، عرفوا أنَّه (لا إله إلا الله) حقَّا، فقالوا (لا
إله إلا الله) محبة وصدقا، قالوا (الله أكبر) عبودية ورِقّاً، عرفوا وأيقنوا أنَّ الله أكبر، فقالوها موقنين بمعنى أنَّ (اللهَ أكبر)..

الله أكبر تزلزل قلاع المارقين، وتنسف معاقب المنافقين، وتحطم أوكار الفاسقين، وتهدم جيوش الخائنين.

الله أكبر ترجف لها القلوب، وتغفر بها الذنوب، وتصغر أمامها الشعوب.

الله أكبر تُكسَّرُ بها آمال الأكاسرة، وتقصَّر بها أعمار القياصرة، وتُرغَم بها أنوف الجبابرة.

الله أكبر يدعى للكرب الشديد، وينادى للخطب العتيد، يُفر إليه في المُلِمَّات، ويُركن إليه وحده في الأزمات.

الله أكبر ما أحلمه على الطغاة، وما أصبره على العُصاة، وما أقربه ممن دعاه، وما أقدره على نصرِ مَن نصَرَ دينه وتولاه … ما أشد بطشه بمن خالف
أمره وعاداه، وما أسمعه لمن ناداه.

الله أكبر، شهدت بعظمته البحار والمحيطات.

الله أكبر، شهدت بعظمته الأرض والسماوات.

الله أكبر، كلما دعاه ملهوف حماه، الله أكبر كلما سأله محتاج فأعطاه.

الله أكبر، أفنى القرون الأوّل، وفَلّ الجيوش والدول.

الله أكبر، أنزل الجبابرة من القصور، وأضجعهم في القبور.

الله أكبر، الله أكبر من أمريكا وروسيا، الله أكبر من أمم الكفر المتحدةِ ومن أعداء الإسلام جميعًا… الله أكبر، سندنا وظهرنا وملجأنا، غياثنا ومعيننا، لا
نرجو أحدا إلّا الله، ولا ندعو غير الله … هذا معنى اللهُ أكبرُ أيُّها السادة، هذا معنى لا إله إلا الله، فأين الموحدون الصادقون؟؟ أين من عرفوا هذه
المعاني؟ أين منعرفوا معنى لا إله إلا الله وقرَّ في قلوبهم أنَّه لا إله إلا الله واللهُ أكبر، فساروا على الدرب الذي تُمليه عقيدتهم؟ أين المسلمون الذين
استسلموا لمراد الله؟ أين الموقنون بأنَّ ما أصابهم لم يكن ليخطئهم وما أخطأهم لم يكن ليصيببهم؟ … اللهم اجعلنا من أهل التوحيد والإيمان الصادق …

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية:
(الله أكبر) (7 مرات)
الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله الوليُّ الحميد، لا إله إلا الله يفعلُ ما يشاء ويحكم ما يريد، لا إله إلا الله ذو الحبلِ الشديد والأمرِ الرشيد… أما بعد
إخوة الإيمان ونحن نتحدَّث عن عظمة التوحيد لابدَّ أن نذكر شعيرةً مهمَّةً في عيدنا، كان أهل الجاهلية يشركون فيها غير الله، إذ كانوا يذبحون وينذرون
لأصنامهم ولأسيادهم، يذبحون على اسم فلانٍ ولأجل فلان، فلما أتى الإسلام ب التوحيد نبذَ ذلك وغدت الذبائح والنسك لله وحده، فلا نذبح لقبرٍ ولا لوليٍّ
ولا لمزارٍ ولا لأحدٍ، إنَّما الذبح لله وحده، ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
(163))) (الأنعام: 162-163)

والأضحية – أيها السادة – شعيرة من شعائر الإسلام، وسُنة من سُنن الأحكام، قال تعالى: (( فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ )) وهي مشروعة بكتاب الله عزّ وجلّ،
وبسنة رسوله وبإجماع المسلمين، قال تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ
الْمُخْبِتِينَ) (الحج34) وقال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)
(الحج 37). بشِّر بالخير من رزقه الله تعالى فأقام هذه الشعيرة وطبَّق هذِه السُّنَّة.

ثم اعلموا رحمكم الله، أنَّه يشترط في الأضحية أن تبلغ السنَّ المُحدَّد شرعاً (خمس سنين للإبل، وسنتان للبقر، وسنةٌ للمعز وستةُ أشهر للضأن إذا اختلط
بمن جاوز السنة فلم يُميَّز)

ومما يشترط للأُضحية أن تكون خالية من العيوب، وأن يُضَحى بها في الوقت المحدد شرعاً، وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر هذا، إلى قبل غروب
شمس رابع يوم من أيام العيد، ومن ذبح قبل الصلاة فإنّها لحمٌ قدَّمه لأهله وليست أضحية. لقوله – صلى الله عليه وسلم – : (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا
يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ) [البخاري].
ثمَّ اعلموا إخوة الإيمان، أنّ الأضحية الواحدة من الغنم، والسُبُع من الإبل والبقر، تُجزئ عن الرجل وأهل بيته، ولكي تكون أضحيتك مرضيَّةً مقبولة
فالأفضل لك أن تتصدَّق ولو بنزرٍ يسيرٍ منها ولو شئت أكلت أكثرها، لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج 28)، والمختار أن تقسمها
أثلاثًا، ثلثٌ تهديه لأقربائك وجيرانك، وثلُثٌ تتصدَّق به على الفقراء، وثُلُثٌ تأكل منه أنت وأهل بيتك، وإيَّاك أخ الإسلام أن تُعطي جِلد أضحيتِكَ أجرةً
للجزار لحديث النبي – صلى الله عليه وسلم – (( من باع جِلد أضحيته فلا أضحية له)) [رواه الحاكم والبيهقي وحسَّنه الألباني].

وإعطاء الجلدِ للجزارِ بمعنى البيع، ولا بأس أن تُهدي للجزار هدية بعد أن تُعطيه كامِلَ أجرته.

ولا بدّ لنا إخوة الإسلام أن نعلم بأن العيد، سنَّةٌ وشِرعةٌ شرعها الشرعُ لنا لتكون سببًا للفرح، لنروِّح فيه عن الأولاد والزوجات شيئا من الضغط النفسي
الذي نعيشه، ولكنَّ هذا الترويحَ لا يكون إلا بما يرضي الله سبحانه، لا يكون إلا بطاعة الله:

فليس العيد لمن لبس الجديد *** إنّما العيد لمن طاعاته تزيد
ليس العيد لمن تزيّن بالثياب والمركوب *** إنّما العيد لمن غفرت له الذنوب

فلنجعل أعيادنا أعياد طاعة لله بصلة الأرحام والأقارب، وليس المكافئ بالواصل، إنّما الواصل من يصل الذي قطعه، فلنغتنم العيد لنصل من قطعنا من
أرحامنا ولتصفو قلوبنا، وليسامح بعضنا بعضا…

ولنجتنب اختلاط الرجال بالنساء فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّساء)) [رواه البخاري
ومسلم].

ولنتجنّب الخلوة بالأجنبيّة ولو كان ذلك من قرابة الزوج، فعن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – : أَنَّ رسولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قال :((
إِيِّاكُم والدخولَ على النساء، فقال رجل من الأنصارِ: أَفرأيتَ الحَمْوَ ؟ [أي أقرباء الزوج، كما نرى عند بعض الناس ممن يجلسون مختلطين رجالًا ونساءً
يتجاذبون أطراف الحديث مع غير المحارم في زياراتهم في العيد وغير العيد، فقال رجل: أَفرأيتَ الحَمْوَ ؟ أي أقرباء الزوج]

فقال – صلى الله عليه وسلم – : الحَمْوُ: الموتُ((… الحَمْوُ: الموتُ، الحَمْوُ: الموتُ، فكم جرّ الاختلاط المحرّم على الأسر من البلايا والرزايا ما لا يعلمه إلّا
الله.

نسأل الله عزّ وجل أن يعيننا وإياكم على طاعته وأن يتقبل منّا ومن المسلمين، وأن يرزقنا العيد الحقيقي الذي نتمنّى: فعيدنا يوم تحرير الأَرضِ
والعِرض، يوم تحرير البلاد والعباد، يوم نُسقِطُ الطواغيتَ ونقتصُّ منهم، يوم تتحرَّر الحقوق من قيود الفَساد والاستِبداد … أعيادنا – أيها السادة – يوم
يُفكُّ حصار المحاصرين، يوم ينفرج كرب من ضُيِّق عليهم من إخواننا المسلمين، ذاك عيدنا نسأل الله أن يرزقنا إيَّاه عاجلًا غير آجل…

إني داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *